
كنوز نت - بقلم الكاتب والباحث: سليم السعدي
العبادة لله وحده: الأيقونات بين الإيمان والانحراف عن التوحيد"
بقلم الكاتب والباحث: سليم السعدي
في زمن تتداخل فيه الرموز الدينية مع الممارسات التعبدية، يبرز سؤال جوهري: هل الأيقونات تقرب الإنسان من الله، أم تبعده عنه؟
هذا السؤال لا ترف فكري، بل قضية تمس جوهر الإيمان وصدق التوحيد
الأيقونة: ما بين الرمز والوسيلة
الأيقونة – كما تُستخدم في بعض التقاليد المسيحية – هي صورة مرسومة للمسيح أو العذراء أو أحد القديسين، تُوضع في الكنائس أو البيوت، ويُمارس أمامها السجود، التبجيل، بل والدعاء أحيانًا
يدّعي بعض أتباع هذه التقاليد أن الأيقونة "وسيلة للتأمل" وليست معبودة، لكن الواقع أن هذه الوسيلة تحوّلت إلى أداة تواصل تعبدي تُصرف فيها مشاعر وأفعال لا تجوز إلا لله
النصوص السماوية: التوحيد أصل لا يُمس
الكتب السماوية الثلاث – التوراة، الإنجيل، والقرآن – تُعلن بصوت واحد أن العبادة حق خالص لله وحده:
"لا يكن لك آلهة أخرى أمامي. لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا... لا تسجد لهن ولا تعبدهن."
(سفر الخروج 20: 3–5)
"للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد."
(متى 4: 10)
"إياك نعبد وإياك نستعين."
(سورة الفاتحة)
"وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ."
(الإسراء: 23)
هذه الآيات لا تحتمل تأويلاً: لا وسيط بين العبد وربه، لا تمثال، لا صورة، ولا حتى نبي أو قديس
الانحراف التاريخي: كيف بدأ الشرك؟
في قصة قوم نوح عليه السلام، بدأ الانحراف حين صنع الناس صورًا لرجال صالحين ليتذكروهم، ثم تطورت الممارسة إلى تعظيم، فسجود، فعبادة
وهكذا تدرّج الشرك. كل انحراف كبير يبدأ من نية صغيرة مُضلّلة
الإسلام والتصوير
حسم الإسلام الأمر منذ البداية. قال النبي محمد ﷺ:
"إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون."
(رواه البخاري ومسلم)
لأنه يعلم أن التصوير إذا دخل الدين، أدخل معه التمجيد البشري الذي يسرق ما هو لله وحده
هل الأيقونات كفر؟
الجواب دقيق:
•إن كانت مجرد صورة فنية لا تُعظَّم ولا يُتقرّب بها إلى الله، فهي من الزينة
•أما إذا صارت تُبجَّل، أو يُتوسل بها، أو تُعامل كوسيط للعبادة – فهي شرك صريح أو ذريعة للشرك، محرمة في كل الشرائع التوحيدية
العودة إلى التوحيد الخالص
في زمن الخداع البصري والرموز المتناسلة، علينا أن نعود إلى الوضوح الأول، النور الأول، التوحيد الذي دعا إليه كل نبي:
"الله لا يُرى بصورة، لا يُجسَّد، لا يُصوَّر. هو أقرب من كل صورة، وأسمى من كل تمثال."
دعونا نطهّر قلوبنا من الوسائط، ونسجد لله بلا أيقونة، بلا تمثال، بلا وسيط
الأنبياء بين الأيقونة والسلوك: مفارقة الإيمان المجزّأ
في كل ثقافة تقريبًا، يُحتفى بالأنبياء بوصفهم رموزًا سامية، وأيقونات يُعلّق اسمها في القلوب وعلى الجدران. تتعالى أصوات التمجيد، وتُروى القصص عن مآثرهم، وتُبنى المعابد والمقامات تخليدًا لذكراهم
لكن في مفارقة صارخة، تظلّ تعاليمهم — التي كانت في جوهرها دعوة للحق، للعدل، للرحمة، وللكفاح ضد الظلم — مهجورة على أرض الواقع
كيف يمكن لمجتمعات أن ترفع راية النبي، ثم تخالف قيمه في تفاصيل الحياة اليومية؟
الدين كهوية لا كمنهج
مع مرور الزمن، يتحول الدين من منظومة قيمية تحثّ على العمل والسلوك، إلى هوية اجتماعية أو طقس موروث. يصبح الانتماء للنبي أو للدين مجرد تصنيف ثقافي أو قبلي، لا التزامًا أخلاقيًا
يُقال "نحن أتباع فلان"، في حين أن الأفعال تُكذّب هذا الادعاء
لقد دعا موسى إلى التحرر من الاستعباد، ولكن كم من "الورثة" يصمتون على الطغيان؟
ودعا عيسى إلى المسامحة، ولكن كم من الشعوب تمارس القتل باسمه؟
وخُتمت الرسالات بمحمد، الذي علّم الرحمة والتواضع، ولكن كم من المدّاحين له يتكبّرون باسم الدين، ويخونون الأمانة، ويأكلون أموال الناس بالباطل؟
فصل الأيقونة عن الرسالة
تحويل النبي إلى أيقونة بلا مضمون، هو نوع من تجميد الرسالة وتحييدها
حين نُقدّس صورة النبي ولا نُحاكم أنفسنا بأقواله، فإننا نصنع تمثالاً من ذهب لنعبد ظلّه، لا روحه
ما فائدة تكرار "محمد رسول الله" على اللسان، إذا كنا نخون العدل الذي أوصى به؟
ما جدوى الصوم والصلاة، إذا كنا لا نُحسّ بجوع المظلوم ولا ننهى عن منكر؟
وهل يُجدي أن نُسمّي أبناءنا بأسماء الأنبياء، ونحن نربّيهم على الطمع، والكذب، والخوف من السلطان؟
التناقض الإنساني... طبيعي لكن خطير
صحيح أن البشر ليسوا أنبياء، ومن الطبيعي أن يعجزوا عن الكمال. لكن الخطورة ليست في العجز، بل في تبريره وتقديسه
حين نُحوّل النفاق إلى عرف، ونُسكت ضميرنا باسم "نحن ضعفاء"، نكون قد قتلنا الرسالة مرتين: مرة بتركها، ومرة بادعاء أننا أوفياء لها
الأنبياء في جوهرهم ثوّار أخلاقيون
الأنبياء لم يأتوا ليُزيّنوا الجدران أو يُستدعون في الأعراس والمواسم
جاءوا ليُغيّروا الواقع، ويقلبوا ميزان القوة، ويزرعوا نورًا في وسط الظلمة
لكن هذا النور لا ينتقل بالتمنّي، بل بالتحوّل. بالتطبيق، لا بالتقديس الأجوف
ما العمل؟
•أن نراجع أنفسنا: هل نحن نحب الأنبياء حقًا، أم نحب "صورتهم الآمنة"؟
•أن نضع تعاليمهم مرآة لأفعالنا، لا غطاءً لعيوبنا
•أن نكفّ عن اختزال الدين في طقوس، ونستعيده كمنهج للكرامة والحرية
ختامًا
الأنبياء لم يُرسلوا لتُكتب أسماؤهم في الدفاتر، بل لتُكتَب آثارهم في الضمائر
والإيمان الحقيقي ليس في اللسان، بل في العمل الصامت، في مقاومة الظلم، في قول الحق، وفي بناء عالم يشبه القيم التي جاؤوا من أجلها
كل من ادّعى حبّ نبي، فليكن فعله مرآة نبيّه، لا خيانته
سليم السعدي
كاتب مهتم بقضايا التوحيد والوعي الديني
2025
05/06/2025 09:15 pm 67