كنوز نت - حسين كري بري - ألمانيا
- للمرة الثالثة...؟
- لا بد منها حبيبتي...
- والله حرام... (تردد الزوجة في نفسها).
كانت تجلس على حافة السرير، جسدها ثقيل كأنها تحمل جبالًا فوق كتفيها. عينان مرهقتان، وصداع لا يهدأ. منذ أيام وهي تعاني من شقيقة حادة، لا تفرق بين ليل ونهار.
تحاول أن تفهم ما الذي يحدث حولها، لكن كل شيء يبدو ضبابيًا.
رغم كل التعب، وجهها ما زال نقيًا، وعيناها تحملان دفءً لم تغيره سنوات الحصار. شعرها الذهبي ينزلق على كتفيها في خيوط متعرجة، وأنفها المستقيم كأنه لوحة منحوتة بعناية إلهية.
كانت كجارتها (كريمة)، تلك التي بدأت الحرب تترك آثارها على جسدها. جلد متعب، ووجع دفين لا يختفي خلف الابتسامة.
في كل مرة كانت تحاول إخبار زوجها بنظرات رفاقه المتوحشة، كانت تتراجع. الخوف كبل لسانها، والسقوط من "حقه" كان أشد رعبًا من البوح.
- حسنًا... موافقة.
قالتها وهي تشعر بشيء ينكسر في داخلها. غصة الأمومة تعصف بقلبها الهش، لكن سكاكين العادات والتقاليد كانت أقسى.
أخبرتها أن تبقى صامتة. أن لا تواجه الأمير الرجل.
في المساء، كانت زنزانتها واضحة المعالم: بيت بلا هواء، بلا ماء، بلا حياة. بلا رجل حتى، بلا جنس.
في الزاوية جلست، عيناها تسبحان خلف ذكريات الطفولة. كيف كانت تحمل دميتها الصغيرة وتهمس:
- هذه ابنتي...
ثم تبكي.
وضعت يديها فوق بطنها. شعرت بنبض طفلتها يناديها:
- أحبك...
أخبرتها أنها صنعت لها فساتين ودمى. ستلاعبها في الحديقة. ستراها يومًا بالفستان الأبيض.
- آه يا ابنتي، أحبك...
صرير الباب كسر الصمت. جسدها ارتجف. شعرت به قبل أن تراه. كانت الرائحة أول من وصل. رائحة خمر قديم تملأ الغرفة.
اقترب. عيناه محمرتان، وخطواته ثقيلة. نظراته فارغة من أي شعور. حاولت أن تجعل من نفسها نائمة، لكن جسدها كان يفضحها.
- ألا تزالين مستيقظة؟
لم ترد. صمتت وهي تتمنى لو يختفي.
- ألم أخبرك أن تجهزي نفسك؟
انكمشت في زاويتها، لكن عيناها لم تعد خائفة.
- أنتِ لا شيء. مجرد آلة للإنجاب.
قالها ببرود وهو يسقط بجانبها. حاولت مساعدته لكنه دفعها بعيدًا.
بعد لحظات، نهض وهو يترنح. نظر إليها نظرة باردة ثم غادر الغرفة.
سمعته ينادي رفاقه للعب الشدة. أرادوا إكمال السهرة حتى الصباح. صوت الضحك والحديث كان يصلها من بعيد.
الخمر تدفق بحرية. بعد ساعات، بدأت أصواتهم ترتفع. شجار عنيف نشب بينهم على لعبة أو مزاح ثقيل.
أحدهم دفع الآخر بقوة، والكلمات تحولت إلى لكمات.
وسط الفوضى، حاول زوجها أن يفض الاشتباك، لكنه تلقى طعنة خاطئة في خاصرته. صرخ وسقط على الأرض.
بقيت جالسة في زاويتها، تستمع لصوت ارتطام جسده بالأرض. لم تتحرك. الزنزانة التي حاصرتها لسنوات بدأت تختفي.
اقتربت منه:
- سأطلب المساعدة...
لكنه تمتم بصوت ضعيف:
- لا تفعلي.
وضعت يديها على بطنها. شعرت بنبض طفلتها مرة أخرى. ابتسمت بهدوء وقالت:
- لن أجهض هذه المرة.
- حسين كري بري - ألمانيا
٢٠٢٥
حسين كري بري فنان تشكيلي سوري مقيم في ألمانيا
11/01/2025 03:18 pm 112