كنوز نت - الناصرة
ثقافة الانتخاب وبذور الخراب
بيان صحافيّ صادر عن جمعيّة "كيان - تنطيم نسويّ" حول مؤتمرها "ثقافة الانتخاب وبذور الخراب"
كنوز نت -عقدت جمعيّة "كيان - تنظيم نسويّ"، بالتعاون مع منتدى "جسور" القُطْريّ، مؤتمرها السنويّ، في الناصرة يوم السبت الفائت )9.9.2023). جاء المؤتمر حاملًا العنوان "ثقافة الانتخاب وبذور الخراب"، وشهد حضورًا غفيرًا ومشارَكة نسائيّة بارزة. رمى المؤتمر إلى إلقاء نظرة نقديّة وتحليليّة على انتخابات السلطات المحلّيّة العربيّة وثقافة الانتخاب في المجتمع العربيّ، التي تعيد إنتاج الواقع المجحف؛ الواقع الذي يطغى عليه العنف والجريمة والمعارك الانتخابيّة الدامية، والإقصاء للنساء والشباب والشرائح التي همُّها التغيير والعمل فقط من أجل المصلحة العامّة لمجتمعنا.
افتَتَحت المؤتمرَ عريفةُ البرنامج شيرين يونس (مقدِّمة البرامج الإخباريّة في راديو الناس، والمراسِلة للشأن الإسرائيليّ في عدد من القنوات العربيّة)، وتولّت إدارة جميع جلسات المؤتمر.
في جلسة المؤتمر الافتتاحيّة، ألقت رانية دراوشة - كيلاني (العضوة في مجموعة "قياديّات يافة الناصرة" ومنتدى "جسور" القُطْريّ) كلمة افتتاحيّة حثّت فيها على التصويت بالورقة البيضاء في الانتخابات، أو مقاطعة الانتخابات، كخطوة احتجاجيّة على واقع السلطات المحلّيّة وعلى منظومة الانتخابات التي ترتكز على العائليّة والطائفيّة والمصالح الضيّقة وتُقْصي النساء عن خوض الانتخابات بشتّى الطرق والوسائل، وشدّدت على أهمّيّة مواجَهة هذه التحدّيات في سبيل رفع الغبن عن النساء وإعلان عدم القبول بالأمر الواقع.
وتحدّثت هاجر أبو صالح (مركّزة مشاريع في جمعيّة "كيان") عن أولويّات الجمعيّة ومشروع زيادة تمثيل النساء في السياسة المحلّيّة، وعن التحدّيات التي تواجهها النساء في العمل الجماهيريّ. وأكّدت أنّ تجربة "كيان" هي تَراكُم لعمل متواصل في الحقل، يشمل عملًا مجتمعيًّا مستدامًا يبتغي زيادة مشارَكة النساء في العمل البلديّ عامّة، وفي السلطات المحلّيّة على وجه التحديد. وأكّدت أنّ النساء في الفترة الأخيرة يواجهن تحدّياتٍ جمّةً وعوائق مستجدّة تَحُول دون خوضهنّ المعترَك السياسيّ، بلغت ذروتها حدّ التهديد والترهيب بالعنف لبعض المرشَّحات، وهو ما أدّى إلى عزوفهنّ عن الترشُّح. وأكّدت أنّ جمعيّة "كيان" تنظر إلى هذا الواقع بمسؤوليّة كبيرة حتّمت عليها خلق بدائل غير المألوف والمعهود، ومنها طرح آليّة مقاطَعة الانتخابات أو التصويت بالورقة البيضاء كخطوة احتجاجيّة تقول بأنّ النساء والشباب، وكلّ مَن همُّهُ المصلحة العامّة، لن يرضَوْا أن يكونوا شركاء في انتخاب مرشَّحين/ات لا يتحلَّوْن بالكفاءة، ولن يرضَوْا أن يختاروا بين السيّئ والأسوأ. وفي الوقت ذاته، أكّدت أنّ الجمعيّة تدعو إلى التصويت لكلّ مرشَّح/ة لا يعتمد /تعتمد النهج العائليّ وَ/أو الطائفيّ، وهمُّه/ا مصلحة البلد وأهل البلد بعيدًا عن المحسوبيّات والمصالح الفئويّة الضيّقة.
وعُرِض فيلم قصير بعنوان "العائليّة وعالمكشوف والمخفي أعظم" استقطب آراء الجمهور حول ثقافة الانتخابات وأثرها على القرارات الفرديّة. يُظهِر الفيلم على نحوٍ واضح أنّ العائليّة هي الاعتبار الأوّل في اعتبارات الناخب/ة في المجتمع الفلسطينيّ.
في جلسة حول دَوْر النساء في السلطات المحلّيّة، ألقت د. مها كركبي - صبّاح (المحاضِرة في جامعة بن ﭼـوريون) محاضَرة بعنوان "النساء العربيّات في السلطات المحلّيّة: ما بين قدرة التمثيل وقدرة التأثير"، تطرّقت فيها إلى دَوْر المرأة العربيّة في التمثيل السياسيّ وتأثيرها على المجتمع. وتطرّقت خلالها كذلك إلى تأثير التعليم العالي والاستقلال الاقتصاديّ على زيادة التمثيل النسائيّ في السياسة، الأمر الذي لم ينعكس حتمًا على زيادة التمثيل المتكافئ ورفع مكانة المرأة.
وأوردت د. كركبي معْطَيات تُثْبِت تفوُّقَ النساء في التعليم الأكاديميّ، إذ بلغت نسبتهنّ 64% مقابل 34% من الذكور، وأنّه على الرغم من هذا التفوُّق تواجه النساء أكبر المعيقات على الصعيدَيْن الهيكليّ والثقافيّ في المجتمع.
وفي مداخَلة قدّمتها رفاه عنبتاوي (مديرة جمعيّة "كيان")، أشارت إلى سياسات الحكومات المتعاقبة التي عملت على تفتيت المجتمع العربيّ، وقالت إنّ الاستعمار والحكومات المتعاقبة لها يد في زرع الخراب، ولكن ما كان للسياق السياسيّ أن ينال من مجتمعنا لو لم يجد الأرضيّة الخصبة لذلك. وأضافت أنّ هذه الأرضيّة لم تُخْصَب في السنوات الأخيرة كما يرغب البعض أن يراها، مشدِّدة على أهمّيّة التركيز على المسؤوليّة المجتمعيّة حيال ما وصلنا اليه.
وأكّدت عنبتاوي على أهمّيّة استمرار تقديم الدعم للنساء في السياسة المحلّيّة، ولا سيّما في ظلّ العمل في هذا الواقع والمعارك الانتخابيّة العنيفة، وعلى أهمّيّة البحث عن حلول منْصِفة للنساء والفئات المهمَّشة في المجتمع العربيّ. ويأتي مؤتمر "كيان" وَ "جسور" السنويّ ضمن جهودهما لزيادة مشاركة النساء والشباب في السياسة المحلّيّة ومواقع اتّخاذ القرار، والتي تصطدم بالإقصاء العنيف الذي تواجهه هاتان الفئتان وكلّ محاولة تغيير في السلطات المحلّيّة والانتخابات. وفي السياق نفسه، وتحت الشعار "خَلّي صوتك صافي"، أطلقت "كيان"، بالتعاون مع "جسور"، حملة "ورقة بيضا" في الأسبوع الماضي. وطرحت الحملة إمكانيّة مقاطَعة هذه الانتخابات، باعتبار ذلك خَيارًا شرعيًّا، وصوتًا رافضًا لهذا الواقع الذي يطغى فيه صوت العنف الموظَّف لاستمرار الفساد، ودعت إلى التصويت لمصلحة البلد وعدم المشاركة في الفساد من خلال الامتناع عن التصويت للمرشّحين الفاسدين.
شمل المؤتمر مناظَرة حيّة طرحت إمكانيّة مقاطَعة انتخابات السلطات المحلّيّة، مثّل فيها الموقفَ المؤيِّدَ للمشاركة فريقٌ يتألّف من د. رنا زهر - كَرَيَنّي وأسيل أيّوب، بينما مثّل الموقفَ المؤيِّدَ للمقاطَعة كلٌّ من أليف صبّاغ وسعاد أبو صالح. وتلا المناظَرةَ تصويتٌ من قِبل الحضور لاختيار السلوك الانتخابيّ الأكثر إقناعًا بالنسبة لهم. وكانت نتائج التصويت أنّ 54% يعارضون مقاطَعة الانتخابات، بينما 46% يؤيّدون مقاطَعتها.
أمّا الجلسة الأخيرة، فقد تحدّث فيها د. محمّد خلايلة (الباحث في الشؤون السياسيّة في جامعة حيفا)، متطرّقًا إلى محدوديّة العمل المحلّيّ مقابل قوّة السلطة المركزيّة، وإلى كيفيّة تحوُّل السلطات المحلّيّة إلى ذراع تنفيذيّة لسياسات الوزارات التي تتحكّم بالتمويل الموجَّه نحو تطبيق البرامج التي تُقرّها وتحدّد تمويلها هذه الوزارات، بالإضافة إلى الهامش الضيّق الذي تملكه السلطات المحلّيّة العربيّة نتيجة التهميش وشُحّ الموارد الماليّة، بفعل انعدام موارد الدخل الذاتيّ التي أصبحت أساسًا للمِنح الحكوميّة المقدَّمة لأقسام المجالس المحلّيّة وبرامجها المختلفة.
وتحدّثت الناشطة امتياز منصور عن تجربة مجموعة "عسفاويّة أنا" في العمل البلديّ، التجربة التي حقّقت نجاحًا في الوصول إلى عضويّة المجلس البلديّ للاستمرار في التأثير على صنع القرار، وللعمل من أجل التمثيل الحقيقيّ للناس بعد الانتخابات، وذلك عبْر تطوير لجان الأحياء في عسفيا، وطرق المجالات التي كانت حكرًا على الرجال كلجنة العطاءات -على سبيل المثال-، علاوة على إبداعات وإنجازات حقيقيّة في مجال التربية والتعليم، وفي لجنة السياحة، ولجنة البيئة، ولجنة الشؤون الاجتماعيّة. وأضافت قائلة: "ما استطعنا أنّ نحقّقه في عسفيا يؤكّد أنّ المواطَنة الصحيحة هي مواطَنة تتضمّن تأثيرًا متبادَلًا بين الجمهور والمجلس المحلّيّ، شراكة حقيقيّة، ثقة وإيمان تامّ بالعمل التنظيميّ والمجتمعيّ".
واختتمت منصور كلمتها بالتأكيد على أهمّيّة دَوْر جمعيّة "كيان" ونشاطها المستمرّ منذ سنوات في تهيئة الكوادر ومرافَقتها في عسفيا والبلدات الأخرى، في سبيل تطوير العمل المجتمعيّ الجماهيريّ والممنهَج والذي كان له دَوْر كبير في نجاح قائمة "نيو عسفيا" في انتخابات عام 2018، وذلك من خلال وصول رئيسة القائمة، سميرة عزّام، إلى عضويّة المجلس، محقِّقة الكثير من الإنجازات على مدار خمس سنوات.
وفي ختام المؤتمر، كانت الكلمة لنسرين طبري (مركِّزة المشاريع في جمعيّة "كيان")، فقامت بتلخيص أعمال المؤتمر الذي اعتبرته محطّة مُهِمّة من سيرورة عمل "كيان" المتواصل لتغيير الواقع، بما في ذلك زيادة المشارَكة النسائيّة والشبابيّة في السلطات المحلّيّة، مشيرةً إلى حملة "كيان" المكثَّفة في هذا المضمار، مؤكِّدة على ضرورة أن يتحمّل كلّ فرد مسؤوليّة شخصيّة عن موقفه وتصويته مع التأكيد "على أنّ أصواتنا هي التي ستحدّد من سيصل إلى السلطات المحلّيّة، أيْ مَن سيكون الشخصَ الذي يمثّل مطالبنا وتطلُّعاتنا، وأن يكون خيار الورقة البيضاء سلاحًا لمنع انتخاب مرشَّحين مرتبطين بعالَـم الإجرام، ومَن يقودون قوائم عائليّة أو طائفيّة، أو مَن يُقصي النساء والشباب ومن يستخدم النساء ليزيّن القوائم فقط من أجل مصالحه الانتخابيّة".
10/09/2023 05:28 pm 193