كنوز نت - بقلم : سيمون عيلوطي


تُراثنا الغنائيّ الفلسطينيّ إلى أين؟!(11)

  • سيمون عيلوطي

(الحلقة الحادية عشر)

كنت قد تطرَّقتُ في حلقة سابقة من هذه السِّلسلة إلى هويَّة الأغاني النَّصراوية، مبيِّنًا أنها اشتهرت في النَّاصرة بعد أن جاء بها التُّجار (الشِّوام) وردَّدوها مع أصدقائهم من تجار النَّاصرة في سهراتهم العامرة، ورأيت أنَّ ذلك أثرى الترُّاث النَّصراوي بهذه الأغاني، إلى الحد الذي اعتبرها البعض نصراويَّة المنشأ من حيث الكلمات والألحان. غير أني أميل إلى الاعتقاد أكثر أنها اشتهرت في النَّاصرة، وما يعزِّز هذا الاعتقاد لديَّ، هو بعض كلماتها التي تُلفظ باللكنة السوريَّة، وأحيانًا باللبنانيَّة، فيتحوَّل لفظ (كُل) بضم الكاف، كما نلفظها في النَّاصرة، إلى (كِل) بكسر الكاف كما تُلفظ في لبنان، و (كُلْها) كما نلفظها في النَّاصرة، إلى (كِلْلَّا) كما في لبنان، ولا أعرف لماذا اسْتَبْدَلَت بعض الأصوات الغنائيَّة عندنا، في أغنية (عَالروزنا) كلمة (شو) كما نلفظها في النَّاصرة، ب (وِشْ) المستعملة في السعوديَّة، فجاءت (وِشْ عملت الروزنا الله يجازيها) في حين أنَّ فيروز استخدمت (شو) عملت الروزنا الله يجازيها)، وفي أغنية "رمانك يا حبيبي" نجد (قٌلتِلُّنْ هَيْدا حبيبي) باللهجة اللبنانيَّة أيضًا، بينما في مدينة البشارة نقول (قٌلتِلْهُمْ هذا حبيبي)، ونحن في النَّاصرة نقول (لَمون) و (زَتون)، بحذق الياء، ولا نقول لَيمون وزيْتون بالفصحى، أو بالمحكيَّة اللبنانيَّة، حيث جاء في أحد البرامج الغنائيَّة المحليَّة، "شجر لَيْمون نادى عَ شجر زيتون"، وليس (لَمون) و (زَتون)، كما أسلفت، والأمثلة على ذلك لا تُعد ولا تُحصى.

 وقد لاحظت أنَّ على ساحتنا الفنيَّة من يضمّ موَّال "يا ديرتي مالك علينا لوم" إلى الترُّاث الفلسطينيّ-الشَّاميّ، بينما في الواقع فإنَّ هذا الموَّال لا يحسب على التُّراث الشعبيّ، باعتبار أنَّ هويَّة أصحابه معروفة للجميع، فهو من غناء أسمهان، 1944، كلمات علي الخيَّاط، ألحان فريد الأطرش، وقد صدحت به أميرة الغناء العربي في فيلم "غرام وانتقام" عام 1944،
  • تقول كلماته:
(يا ديرتي مالك علينا لوم
لا تعتبي لومك على من خان
حِنَّا روينا سيوفنا من القوم
مثل العدو ما نْرخِّصِك باثمان)
وهو على الرَّابط التَّالي:



  أنوِّهُ إلى أنَّني كنتُ قد كتبتُ سابقًا عن هذا الموَّال عندما استعرضتُ قبل مدَّة قصيرة نسبيَّا تجربة المطربة الكبيرة أسمهان الفنيَّة والحياتيَّة.
 أما عن ادخال مفردات لبنانيَّة-سوريَّة على لهجتنا النصراويَّة عند الغناء، فحدِّث ولا حرج، وأرى أنَّه آن الأوان لكي نقوم بعرض ما نعتقد أنَّه من النصراويَّات، على خبير بالعاميَّات، بهدف تنقيته من اللهجات الأخرى الدَّخيلة على لهجتنا النصراويَّة، وبالتَّالي تقديم أغنياتنا للجُّمهور سليمة، معافاة، تليق بمن يغنِّيها، وبتراثنا، وبالمتلقِّي.

أضافة إلى ما تقدَّم: هناك أغنيات مصريَّة نسبها البعض إلى تراث النّاصرة، وهي قليلة مقارنة مع تلك التي أتتنا من الشَّام، مثل أغنية "يا رايح فين ويا مسلِّيني" المصرية، التي تمحورت الحلقة التَّاسعة من سلسلة هذه المقالات حولها.

هذا، وكنت قد تناولت في حلقة سابقة الأغاني التي نسبها أصحابها إلى النَّاصرة، مبيٍّنًا أنها اشتُهِرَت في النَّاصرة، غير أنَّ هناك أغنيات عديدة أعتبرها تابعة للتُّراث النَّصراوي، ما دمتُ لا املك الدَّليل القاطع الذي يثبت أصل هويَّتها، أو من أين أتت. من هذه الأغاني أذكر: "عذَّب الجمَّال قلبي"، "رمَّانك يا حبيبي"، "لاموني لاموني يا عبد الله"، "جفرا ويا هالرَّبع"، "بنار الهجر يا إبراهيم"، "قطعنا النصراويَّات مرج ابن عامر" التي أبدعت فيها سناء موسى، والقائمة تطول.