كنوز نت - الطيبة - بقلم الأستاذ رفعت جباره


معجزة الإسراء والمعراج من المنظور العلمي

  • بقلم الأستاذ رفعت جباره
في هذا العرض العلمي سوف نحاول ان نقرب فهم إحدى المعجزات الحسية التي جرت لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، إنها " معجزة الإسراء والمعراج " . ولسنا نسعى من وراء هذا العرض وما يليه من إيضاحات أن نثبت صدق هذه المعجزة، وإنما نريد فقط أن نقرب فهمها من المنظور العلمي للذين يستبعدون حدوثها من المشككين وغير المسلمين . وهذه المعجزة من الصنف الذي لم يجره الله بقصد التحدي (أي: تحدي البشر)، وأعجب ما في هذه المعجزة (بشقيها) أنها غيب من جملة الغيوب التي يجب على المسلم أن يصدق بها ويثق فيها مطلقا . واستحالة وقوعها لبشر عادي.

تشتمل " معجزة الإسراء والمعراج " ضمن ما تشتمل السرعة الخارقة والقدرة المذهلة التي انتقل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشق الأول من المعجزة، الاسراء وهو " الرحلة الأرضية" من المسجد الحرام بمكة (في الجزيرة العربية) إلى المسجد الأقصى بالقدس (في فلسطين)، ثم الشق الثاني من المعجزة وهو المعراج " الرحلة العلوية " ، أي: الصعود من حيث انتهت الرحلة الأرضية إلى الأعلى في السرعة والقدرة اللتان لا يستطيع الإنسان - مهما أوتى من علوم وتكنولوجيا – أن يحددهما، وذلك في رحلة سماوية اخترق الرسول بها طبقات الجو كلها وعبر أرجاء الكون إلى سماء لا ولن يستطيع الإنسان أن يصل إليها وتحديد أي شىء فيها، ولن يعرف عنها سوى ما أخبره به القرآن الكريم

وهنالك عددا من الأحداث أو الحوادث ذكرت بالقران الكريم مرتبطه بالانتقال بسرعه فائقه غير اعتياديه كانتقال عرش بلقيس من مملكة سبأ باليمن (جنوب الجزيرة العربية) إلى حيث كان يقيم رسول الله سليمان (عليه السلام) في ارض الشام .فقد جاء العفريت الذي آتاه الله العلم والقدرة بعرش بلقيس في زمن لم يتعد طرفة عين، ولا يعرف لأحد حتى الآن كيف تم تنفيذ هذه المعجزة الخارقة.

وكذلك الدلالة العلمية لقول الحق تبارك وتعالى: [ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ} [الرحمن: 33‏ـ 35]. هذه الآيات الثلاث التي تحدى القرآن الكريم فيها كلاً من الجن والإنس تحدياً صريحاً بعجزهم عن النفاذ من أقطار السماوات والأرض‏،‏ وهو تحد يظهر ضآلة قدراتهما مجتمعين أمام القدرة الإلهية في إبداع الكون‏،‏ لضخامة أبعاده‏،‏ ولقصر عمر المخلوقات‏،‏ وحتمية فنائها‏، بالنسبة للنفاذ من أقطار السماوات.‏

تبلغ أبعاد الجزء المدرك من السماء الدنيا من الضخامة ما لا يمكن أن تطويها قدرات كل من الإنس والجن‏،‏ مما يشعر كلاً منهما بضآلته أمام أبعاد الكون‏،‏ وبعجزه التام عن مجرد التفكير في الهروب منه‏،‏ أو النفاذ إلى المجهول من بعده‏!. فمجرتنا -درب التبانة‏- يقدر قطرها الأكبر بمائة ألف سنة ضوئية‏ (100.000×9.5‏ مليون مليون كيلومتر تقريباً‏)،‏ ويقدر قطرها الأصغر بعشرة آلاف سنة ضوئية‏ (10.000×9.5‏ مليون مليون كيلومتر تقريباً‏)،‏ ومعنى ذلك أن الإنسان لكي يتمكن من الخروج من مجرتنا عبر قطرها الأصغر يحتاج إلى وسيلة تحركه بسرعة الضوء -‏وهذا يعتبرمن المستحيل‏-‏ وذلك ليستخدمها في حركة مستمرة لمدة تصل إلى عشرة آلاف سنة من سنيننا‏،‏ وبطاقة انفلات ضخمه خيالية لتخرجه من نطاق جاذبية الأجرام التي يمر بها من مكونات تلك المجرة‏.!

وهذه كلها من المستحيلات بالنسبة للإنسان الذي لا يتجاوز عمره في المتوسط خمسين سنة‏،‏ ولم تتجاوز حركته في السماء ثانية ضوئية واحدة وربع الثانية فقط‏،‏ وهي المسافة بين الأرض والقمر‏،‏ على الرغم من التقدم التقني المذهل الذي حققه في ريادة السماء‏، فمجموعتنا الشمسية تقع من مجرتنا على بعد ثلاثين ألفاً من السنين الضوئية من مركزها‏،‏ وعشرين ألفاً من السنين الضوئية من أقرب أطرافها‏.فإذا حاول الإنسان الخروج من أقرب الأقطار إلى الأرض فإنه يحتاج إلى عشرين ألف سنة وهو يتحرك بسرعة الضوء لكي يخرج من أقطار مجرتنا، وهل يقدر الإنسان على ذلك؟ أو هل يمكن أن يحيا إنسان لمثل تلك المدد المتطاولة؟ ,وهل يستطيع الإنسان أن يتحرك بسرعة الضوء؟ كل هذه حواجز تحول دون إمكان ذلك بالنسبة للإنسان‏،‏ وما ينطبق عليه ينطبق على عالم الجان‏!‏.

أن تحول المادة إلى طاقة، ثم عودة الطاقة إلى المادة، هو أمر معلوم الآن بالاكشافات العلمية الحديثة وهو أمرا يقوم الباحثين عليه بإجراء الكثير من التجارب العلميه لكي يتم تنفيذه عمليا .

إذن: فإذا قلنا مجازا" بتحول جسد الرسول صلى الله عليه وسلم – وهو مادة – إلى ضوء – وهو طاقة – أو ما هو أعلى من الضوء، حتى يخترق آفاق الكون وما بعد الكون في ساعات قليلة بحسابنا البشري، فإننا بذلك نكون قد قدمنا اقتراحا لتقريب مفهوم حدث "الاسراء والمعراج"، وإن كنا لا نجزم بما نقترحه .

لقد أدمج إينشتاين المكان والزمان في نظرية النسبية الخاصة عام 1905م ، وأعلن أنه ليس لنا أن نتحدث عن الزمان دون المكان، ولا عن المكان دون الزمان، ومادام كل شيء يتحرك فلابد أن يحمل زمنه معه، وكلما تحرك الشيء أسرع فإن زمنه سينكمش بالنسبة لما حوله من أزمنة مرتبطة بحركات أخرى أبطأ منه . ولقد تحققت ظاهرة انكماش الزمن علميا في معامل الفيزياء، حيث لوحظ أن الجسيمات الذرية atomic particles تطول أعمارها في نظر راصدها إذا ما تحركت بسرعة قريبة من سرعة الضوء .

وطبقا لنظرية أينشتاين، فإننا إذا تخيلنا أن صاروخا اقتربت سرعته من سرعة الضوء اقترابا شديدا، فإنه يقطع رحلة تستغرق خمسين ألف سنة (حسب الساعة الأرضية) في يوم واحد فقط (بالنسبة لطاقم الصاروخ) !. وإذا فكرت في زيارة أطراف الكون فإنك ستعود إلى الكرة الأرضية لتجد عليها أجيالا أخرى وتغيرات كبيرة حدثت على هذا الكوكب الذي سيكون قد مر عليه حينئذ آلاف أو ملايين أو بلايين السنين بحساب أهل الأرض الذين لم يخوضوا معك هذه الرحلة المذهلة، وذلك إذا كنت قد تحركت في رحلتك بسرعة قريبة من سرعة الضوء ! . وخلاصة القول: إن الزمن ينكمش مع ازدياد السرعة، وتزداد السرعة مع ازدياد القدرة على ذلك .

هكذا أصبح من الممكن القول أن السرعة والزمن والقدرة أشياء مترابطة، ولكن إذا كان هناك مخلوق أقوى من الإنسان (ينتمي إلى غير الجنس البشري، كأن يكون من الجن أو من الملائكة) فإنه يتحرك بقوانين أخرى غـــير قوانين الإنسان، فيقطع المسـافات ويعبر الحواجز، وأشياء أخرى كثيرة لا يتخيلها الإنسان الذي يسكن كوكب الأرض . وطبقا للنظرية النسبية أيضا، فإنه إذا وجد كائن يسير بسرعة أكبر من سرعة الضوء، فإن المسافات تنطوي أمامه وينمحي الزمن في قطعه هذه المسافات.

 وبالرغم من أن سرعة الضوء في الفراغ (أو الهواء) هي أعلى سرعة معروفة حتى الآن، فإن العلم الحديث لا ينكر وجود سرعة أكبر من سرعة الضوء في الفراغ، وإن لم يصل إليها حتى الآن، رغم سريان دقائق بيتا B - particles) ) في الماء بسرعة أكبر من سرعة الضوء فيه، لأن هذه الدقائق اخترقت حاجز الضوء في الماء فقط وليس في الهواء أو الفراغ، فتسببت في صدور إشعاع يدعى إشعاع كيرنكوف.!

هذا الامر يوصلنا الى موضوع النقل (الانتقال) البعدي teleportation ـ أي المقدرة على الانتقال من مكان إلى آخر من دون الاضطرار لقطع المسافات الطويلة بينهما، وذلك باستخدام وسيلة نقل مادية خاصة. ومع أن النقل البعدي للأجسام الكبيرة أو للبشر لا يزال أمرا خياليّا إلا أن النقل البعدي الكمومي صار حقيقة مختبرية بالنسبة إلى الفوتونات: جسيمات الضوء المفردة.


يتيح النقل البعدي عملية السفر بصورة آنية instantaneous مما يخرق حد السرعة الذي وضعه آينشتاين في نظرية النسبية والقائل إنه لا يمكن لأي شيء أن ينتقل بسرعة أكبر من سرعة الضوء. وقد مكّن التقدم التقني في الربع الأخير من القرن العشرين الباحثين من إجراء كثير من التجارب التي لا تبين فقط الجوانب الأساسية، والغريبة أحيانا، للميكانيك الكمومي وإنما تطبقها أيضا، كما في حالة النقل البعدي الكمومي، وذلك للتوصل إلى أمور فذَّة لم يكن بالمستطاع تصورها فيما مضى. ولذلك فإننا نجد فيما توصل إليه الإنسان في زماننا الحالي من اكتشافات واختراعات من تحول المادة إلى طاقة وبالعكس يستدل به على تقريب فهم هذا الحدث الجلل .

وختاما" لابد لنا من التأكيد مرة أخرى ونحن إذ نتحدث في" معجزة " الإسراء والمعراج فاننا نكرر القول بأن كل من الإسراء والمعراج معجزة ، وهي ليست للتحدي، فهي معجزة لم يتحد الله بها البشر، لأن البشر لن يفكروا مطلقا في الإتيان بمثلها، أو بما يشابهها، مهما بلغت قواهم وارتقت عقولهم وتطورت اختراعاتهم . وإنما هي معجزة لاختبار قوة العقيدة وتمحيص قلوب المؤمنين، فمن كان إيمانه قويما صدق ومن كان غير ذلك كذب أو استكثر حدوث ما حدث .

هذا، والله ولى التوفيق
المراجع :
الإعجاز العلمي د. زغلول النجار
معجزة الإسـراء والمعراج من منظـور علـمي أ.د/ كارم السيد غنيم