كنوز نت - الطيبة - بقلم : سامي مدني


حَقِيقَةُ المُنافِقِ؛


 "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ".

سَلامٌ عَليكُمْ أَيُّها الغَواليُّ، وكَرَّمَكُم اللهُ قَدَراً عالياً وَقِيمَةً رَفِيعَةً يَا كِرامُ!  

اللَّهُمَ ثَبِّتْنا على طاعَتِكَ وَحُسنِ عِبادَتِكَ وأنْطِقْنا قَوْلَ الحَقِّ وليْسَ غَيْرَ الحَقِّ، فَعَلىَ النِّطاقِ العامِ إخْوتِي في العالَمِ كُلِّهِ،... أحُيطُكُمْ عِلْماً بِلَحظَةٍ مَصيرٍيَّةٍ فِيْها يَنْقَلِبُ مَوْقِفُ الإِنْسانِ، وهَذا عِنْدَ حُضُورِ ِدَوافِعٌ وَمُحَفِّزاتٌ عِدْوانِيَّةٌ خارجيةٌ تَجْعَلُهُ يتَحَوَّلُ مِنْ مُسالِمٍ وَرَقيقٍ إِلى قاصِيٍٍ وَصَعْبٍ، ومِنْ مُتَهاوِنٍ إلى مُطالِبٍ حَقَّهُ وَمُتَمَسِّكٍ بِهِ، غَيْرِ مُتسامِحٍ.

هَذِهِ أُمُورٌ تُعَرِّضُ حَياتَهُ لِمَأَسي وَتُهدِّدُ وُجُودَهُ ومَصالِحَهُ، فإِذا شَعَر َبهذا الخَطَرِ الَّذِي يُزَعْزِعُهُ ويَتَعَدَّى عَلَيهِ فِعْلاً، تَتَحَوَّلُ شَخْصيَّتُهُ وتَصَرُّفاتُهُ، فَيُصْبِحُ عُدْوانِيَّاً وَيَكُونُ الأنْسانُ الَّذِي يُصَمِّمُ أنْ يُجابِهَ العَالَمَ بِبَسالَةٍ، بعدَ تَهاوُنٍ دامَ فَتْرَةً طَويلَةً، لَكَِنَّ شَيْءً لَمْ يُفْلِحْ مَعَهُمْ، وَبَقُوا علىَ نَهْجِهِمْ مِنَ التَّخَلُّفِ والهَمَجِيَّةِ والإسْتِهتارِ، فَباتَ مِنْ هَذِهِ اللَّحْظَةِ واجِبٌ عَلَيْهِ، أَنْ يَكُونَ بِنفسِ المُسْتَوى مِنَ العَقْليَّةِ الإنْتِهازِيَّةِ المُتَسَلِّطَةِ، فُهُمْ مِنْ جَنا على نَفْسِهِ بِتَصَرُّفاتِهِم الأنانِيَّةِ وآعْتِقادَاتِهِم الخاطِئَةِ؛ لِتَصَوُّرَهُمْ أنَّ هَذا الإِنْسانَ لَوْ لَمْ يَكُنْ ضَعيفً لَما تَنازَلَ لَنا مِنَ الأَساسِ، ...وَنَسُوا سِعَةَ الصَّدْرِ عامَّةً، إِذاً .....فَلْيَتَحَمَّلُوا النَّتائِجَ.

إخْوتي بالإسْلامِ لَسْتُ أَكْثرَ مِنْكُمْ عِلْماً، لَكِنِّي صَلْبٌ، لا أتْراجَعُ بِأفْكاري مَا دُمْتُ أَجِدُ نَفْسِي صادِقَاً، وهَذا لا يَعْنِي غُرُورَاً مِنِّي، إِنَّما الإِيمانُ واليَقِينُ وَالإسْتِعْدَادُ لِأكْشِفَ أُمُورً تَرُونَها بَسيطَةً إِلاَّ إِنَّها غَيْرُ ذَلِكَ، فَالكُلُّ يُدْرِكُ أَنَّ هَؤُلاءَ مَغْرورونَ مُتَعَجْرفُون يُؤمِنونَ بِوُجُودِ ضَعْفٍ فِي شَخْصِيَّةِ الأخَرينِ، وَيَتَجاهَلونَ حَقَّهُم بالدِّفاعِ عَنْ أنْفُسِهِمْ... رَغْمَ أَنَّهم غَيْرُ كَما يُفكِّرُون، أَمَّا هُمْ كَفَرَةُ يَسْتَمِرُّونَ بِالتَلاعُبِ والإحْتِقارِ بِطُرُقٍ شَيْطانِيَّةٍ، قُلُوبُهم يَعْلَمُ اللهُ إِنَّها مُفْسِدَةٌ، تَدَّعِي الإنْسانِيَّةَ لَكِنَّها تُفْسِدُ الحَرْثَ والنَّسْلَ وتبعثُ الفَسادَ والدَّمارَ فِي الأَرْضِ، و تَنْظُرُ لِلأَخَرِ بِصُورَةِ تَحْقِيرٍ وَحُرِيَّةِ التَجَبُّرِ بِمُسْتَقْبَلِهِ وَمَصِيرِهِ.

إِخْوَتي الأَعِزاءُ لَيْسَ مِنْ حَقِّنا التَحَكُّمَ بِحَياةِ وَمُعْتَقَداتِ أَحَدٍ، ومِنَ الواجِبِ إحْترامَ الكُلَّ، وهَذا مَا نَأمَلُ مِنَ الأَخَرينَ، حَتَّى يَكُونَ تَشارُكٌ بِالمَصالِحِ وليْسَ إشْتراكٌ يَخْدِمُ طَرَفً واحِدَاً هُوَ مَنْ يَضَعُ القَوانينَ والنَّتائِجَ.


إِلى هَذِهِ الدَّرَجَةِ مِنَ التَسَلُّطِ والتَحَكُمِ بالأخَرينَ الَّتِي لا تَجُوزُ وَصَلُوا إِليْهِا، وأنْفَقوُا الأَمْوالَ حَتَّى يُظْهِرُوا قُذَارَتَهُم الوَطَنِيَّةِ المُزَيِّفَةِ، لِخِدْمَةِ مأرِبَهِم وَطُمُوحَهِمْ، وَعلىَ حِسابِ مَنْ؟ ...على ظُهُورِ شُعُوبِهِم الَّمُغشَّشِ والمُغَرَّرِ بِهِمْ، والمَخْدُعينَ بِمُعْتَقَداتِ قِياداتِهِمْ المَريضَةِ البَعيدَةِ عَنْ رُوحِ الأِنْسانِيَّةِ، فاللهُ تَعالَى أوْجَدَ الإِنْسانَ لِيَكونَ مُتَساوِياً كأسْنانِ المُشطِ مَعَ غَيْرهِ، فَقَالِ سَيِّدُ الخَلْقِ والمُرْسلين مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( لا فَرْقَ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَلاَ أعْجَمِيٍّ إِلاَّ بالتَّقْوى).

أيُّها النَّاسُ إنَّ خِطابي هَذا مُوَجَّهٌ إلى الجَمِيعِ، فِيهِ إشارَةٌ إلى حَقيقَةٍ قَدْ يَسْهُو أوْ يَغْفَلُ الكَثِيرُ عَنْها، فَهِيَ تَذْكيرٌ لَهُمْ، وَدَعْوَةٌ إلىَ النَّظَرِ فِي الأَمْرِ مِنْ جَديدٍ.
هذا تأكيدٌ أَيْضاً واضِحٌ أنَّ الإِسْلامَ لا مَجالُ فِيهِ لِلعَصَبياتِ الجاهِليَّةِ العَفِنَةِ النَّتِنَةِ، وَلاَ لعَصَبيَّةِ العِرقِ والنَّسَبِ، ولَكِنْ التَمَسُّكَ بالأرْضِ والمَوْطِنِ وَالوَطَنِ، بَعِيداً عَنْ التحيُّزِ لِلَّهْجَةِ وَالجِنْسِ وَاللَّونِ، أبْيَضٍ أوْ أسْودٍ أَوْ أحْمرٍ ولا لِعَصَبيَّةِ اللُّغَةِ وَاللِّسانِ، وَهُوَ الأساسُ الَّذِي وَضَعَهُ اللهُ فِي القُرْآنِ والكُتُبِ السَّماويَّةِ، قاعِدَةٌ لِبِناءِ مُجْتَمَعً مُسْلِماً صالِحَاً مِنْ قَبْلِ مِئاتِ السِّنِينِ، فِي حِينِ تَجَاهَلَتْ الشُّعوبُ مَبْدَأ الدِّيمُوقراطِيَّةِ، جَاءَ الإِسْلامُ لِيُذَكِّرَهُم فَقَالَ تَعالي "إن أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقاكُمْ".

فَإلى كُلِّ مَنْ أرْخَصَ بـِلَوْنِ أحَدِهِم، وَسار َعلىَ ذَلِكَ النَّهْجِ، كَفاكُمْ فِعْلَ ذَلِكَ النُكُرِ! وَدَعُوا الخَلْقَ للـِخالقِ، وَعَوِّدُوا أطْفالَكُم أَنْ يَقَيسُوا ويُقَيِّمُوا الأخرَينَ بالخُلُقِ دُونَ غَيْرِهِ، وَليَتَمسَّكَ ضَميرُكُم النَّائِمُ نَقاءَ فِطْرَةِ الإِنْسانِ الَّتي خُلِقْنا بهِا! فَـكَمْ مِنْ رَخِيصٍ بِنَظَرِ جاهِلٍ، كَانَ عِنْدَ الله ِأحَبُّ النَّاسِ إِليْهِ.

لَمْ يَعُدْ الزُّعَماءُ فِي هَذا العَصْرِ أَيُّها القَومُ، بِخِدمَةِ أوْطانِهِم، وَقَدْ أصْبَحَتْ السِّياسَةُ بَعْدَ إنْعِدامِ الشَّهامَةُ والرُّجُولَةُ إسْتِعْمارِيَّةَ التَوجُّهِ ومَصْدَرَ رِزقٍ لأولئك المُلْحِدين، الَّذينَ يَسْتَغِلُّونَ نُفُوذَهُم وأَمْوالَهُم لِمَصالِحِهِمْ دون أَنْ يَهِمَّهُمْ شُعُورُ الأَخَرينَ، وَهَذا يَظْهَرُ فِي تَصْريحاتِهِم الشَّعْنُونَةِ الأنانِيَّةِ المُتَسَرِّعَةِ، وَمَهْما إخْتَلفَتْ الشخصيَّاتُ فَهُمْ وَجْهَين لِعِملَةٍ واحِدَةٍ.

إنَّ الأَخْطاءَ وَزَلاتِ اللسانِ المُتَكَرِّرَةِ ليْسَتْ إِلاَّ دَليلاً على ما قُلُوبُهُم تَنْضَحُ، فَهِيَ ولَوْ كانَتْ زَلَّةََ لِسانٍ كَما يَقولُون، فَإنَّها تَكْشِفُ وَاقعً مُتَوَحِشً لِفِئَةٍ كَبيرةٍ خَطيرَةٍ جِدَاً، والأدْهَى وَالأخْطَرُ أنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْ زُعَمائِهِمْ يُمَثِّلُ إيْديُولوجِيَّةً يَتْبَعُها قِسْمٌ كَبيرٌ مِنَ المُنْتَسِبين الَّذينَ يُحَرِّفوُنَ الأُمُورَ حَسَبَ أهْوائِهِمْ فَلاَ يَصْلُحُ أنْ نَثِقَ بِهِمْ، كالَّذين قَالَ اللهُ بِهِمْ: "أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" فالآية ولَوْ تَحْملُ شَيْءً أخَرً إلاَّ أَنَّ المقصودَ سِيانُ، وَالإنْكارُ لَهُم وَلِأعْمالِهِمْ وَنَواياهِم واجِبٌ بِشَتَّى الحالاتِ، لأَنَّ ما نُؤمنُ بِهِ بِعَكْسِ ما يَعْتَقِدُون، فالأمَلُ بِهِمْ والرِّهانُ عَلَيْهِمْ عَبَثٌ، لأَنَّهُمْ بِالأَساسِ هُمْ أعْداءُ اللهِ ورسولِهِ وشَريعَتِهِ والدِّينِ كُلِّهِ، ولا يَجِبُ أَنْ نَتَوقَّعَ مِنْهُمْ الخَيْرَ وَالصَّحيحَ وَنًوَلِّيَهُمْ أمْرَنا.

وَفَقَنا اللهُِ إِخْوتِي وَسَدَّدَ خُطانا وأَنارَ قُلُوبَنا وَعُقُولَنا حتَّى لا نَضْعُفَ فَنَعرِفَ التَّعامُلَ مَعَ الفاسِقنِ المُفْسِدِين الكَفَرَةِ.
السَّلامُ عَليكُمْ وهَدانا وإيَّاكُم اللهُ!