كنوز نت - محمد إبراهيم سواعد- ابن الحميرة
رافعات النهوض (2):
تحدثنا في مقال سابق عن معنى الرفع وأهميته في حياة الأمم والشعوب، وقلنا إن أعظم رافعة تربوية في حياة الإنسانية هي رسالات الأنبياء التي جاءت متممة لبعضها البعض، ولم يزعم نبي أو رسول أنه جاء ليهدم ما سبقه من الرسالات.
ولعل من كرم الله تعالى ولطفه بعباده أن البشرية اليوم وفي ظل النقلة التكنولوجية والانفجار الكوني الهائل في سبل التواصل بين الناس فاصبح العالم كله عبارة عن بيت صغير يعيش أهله مع بعضهم البعض ويتشاركون الأفراح والمشاعر والأحاسيس والأحزان بحكم سهولة التواصل بين البشر في أرجاء المعمورة.
وهذا الأمر يدفعنا اليوم نحن المسلمين إلى الإبداع في صناعة روافع تربوية حضارية تناسب الإنسانية جمعاء، بل وتخاطب العالمين في كل مكان، وترسم للبشرية طرق الخلاص في حاضرها ومستقبلها، فالبشرية اليوم في حالة ظمأ شديد تبحث عن كل مصدر من مصادر القيم والأخلاق لعلها تجد فيها خلاصا وملجأ من أزماتها.
ومن أهم روافع النهضة التي نحتاجها نحن المسلمين وتبحث عنها البشرية هي ما يسمى بعالمية الخطاب الإسلامي، فخطابنا اليوم لم يعد محصورا داخل مساجدنا او مجالس الوعظ والإرشاد التي نعقدها بل تعدى ذلك، فكل لقاء أو خطاب يلقى في أي بقعة من الأرض يشاهده الملايين في بث حي ومباشر في نفس اللحظة، وهذا ما يجبر الخطيب أو الواعظ للاستعداد النفسي والروحي لكل كلمة أو فكرة يقولها، فربما تكون الكلمة أو الفكرة تحدد مصير فرد أو جماعة أو أمة من الأمم.
تعودنا نحن المسلمين أن نتكلم ونعيش حياتنا داخل إطار مجتمعنا ورحنا نبحث لهذا المجتمع عن أفضل وأجمل سبل العيش، فنجحنا أحيانا وفشلنا أحيانا أخرى، وربما يكون أحد أهم عوامل الفشل في طريق مشروعنا هو محاولتنا استئثار السعادة والجنة لأنفسنا واحتكار مصادر السعادة عن غيرنا من الأمم.
العالم اليوم تتصارعه مصادر مختلفة من مصادر التوجيه والتربية خاصة في ظل نظام "العولمة" الذي أرادت من خلاله الدول الكبرى إلغاء مصادر التوجيه لدى باقي الأمم وهذا ما يعرف باسم النظام العالمي الجديد خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وظهور أمريكا كقطب أوحد في قيادة العالم، وهذه التدافع بين مصادر التوجيه يجب أن يلفت نظر المربين والموجهين في الأمة الإسلامية من العلماء والمفكرين والقيادات الدينية والسياسية إلى فرض الفكر الإسلامي المير الصافي الوسطي المعتدل الذي يدعو إلى كرامة المرء في دينه ودنياه، هذا الفكر الذي تتعطش وتشتاق إليه الأرواح ويبحث عنه الحيارى من البشرية حيث انقطعت بهم السبل وباتوا يعيشون في حسرات وأزمات نفسية واجتماعية دفعت الكثيرين في دول العالم الراقي الى الانتحار.
ومن أجمل وأروع ما كتب في هذا السياق هو كتاب د. القرضاوي "خطابنا الإسلامي في عصر العولمة" وطرح فيه مناقشات هادئة لطيفة لكل مسلم ومسلمة في ظل الانفتاح الكبير الذي يعيشه العالم اليوم ووضع فيه خلاصات راقية وتوجيهات فكرية تضمن نقل رسالة الإسلام إنسانية حضارية لكل شعوب الدنيا.
فما أعظم رسالة الإسلام يوم تجد لها من أبنائها البررة سفراء ينقلونها إلى الإنسانية رسالة أمن وأمان وخلاص وشفاء لتلك الإنسانية من كل أمراضها وعللها التي عجز الحكماء وحار الأطباء وتاه العلماء في وصف الدواء والشفاء؛ (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)
محمد إبراهيم سواعد- ابن الحميرة
مدير عام جمعية الأقصى
02/09/2020 08:15 am 3,454