كنوز نت - بقلم : د. منعم حداد


أوراق قديمة: "بتعلمّ بعدين!" 



لم يدر أحد كيف تمّ اختيار هذا الرجل للمنصب الرفيع الذي اختير ليشغله، ولا كيف "فاز" في "مخراز" لم يعلم بنشره أحد سوى صاحب الشأن إياه، إذ وكأنه نشر من أجل عينيه وكأنه حكر عليه!

وعيّن صاحب الشأن قبل جميع منافسيه الذين يفوقونه كلّهم في المؤهلات والكفاءات، اللهم باستثناء الوساطات والمحسوبيات، وكان تعيينه بمثابة "انتقيتك من بين البضائع يا جزر"!

وآن أوان العمل، وإذا كان الحجاج بن يوسف قد قال "هذا أوان الشدّ فاشتدّي زيم" متوعداً أهل العراق، فقد حاكاه "الرجل" فقال "يا أرض اشتدي ما عليك حدا قدّي!"

وانتهت الاحتفالات، احتفالات التوظيف والتنصيب والتهنئات والمباركات، وبدأ العمل الروتيني فإذا بالبطل لا يعرف شيئاُ ولا يجيد شيئاً!
سأله المراجعون عن أهليته لمنصبه، فتلعثم وتأتأ ولم يحر جواباً!
سأل الناس موظّفيه (بكسر الظاء) الذين بذلوا الغالي والرخيص من أجل توظيفه فقالوا:

• الذي لا يعرف يتعلم، وهذا البطل بعدين بتعلم"!
• ولكن للوظيفة وللمنصب مؤهلات ومتطلبات!
• أجل، لكن "المحظوظ" من أصحاب الحظوة من أمثال هذا الرجل ليس بحاجة لذلك!

• وكيف؟

• يبقى تحت التجربة سنوات وسنوات، يتعلم خلالها وعلى حساب مشغليه وخلال وقت دوامه، ويستمر يتعلم حتى ينهي سنوات في الخدمة، وعند ذلك ينشرون "مخراز" جديد لترقيته ولتثبيته في منصب أعلى وأهمّ، ويكون قد تعلم على حساب السادة الكرام والمحسنين الأفاضل من دافعي الضرائب!
• وهل هذا عدل؟
• وهل في وقوف أمثال هؤلاء حيث هم شيء من العدل؟

ترشيح!

• هل سترشّح نفسك لخوض الانتخابات القادمة؟
• لم أقرّر ولم أحسم الأمر بعد!
• لم يبق أمامك الكثير من الوقت، و"الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك"!
• إن كان الوقت كالسيف فأنا أمهر صانع سيوف، وسأتدبّر أمري فلا تقلق!
• نعلم ذلك ولكن خصومك بدأوا يحشدون قواهم ويعدّون العدّة للمعركة الفاصلة!
• في الواقع أنني لا أخشى من خصومي ولا أحسب لهم أي حساب، لكن لا بدّ من التروّي!
• وما سبب ذلك؟
• لأكسب المزيد من الوقت، فأراوغ ولا يدري أحد ما أفكر به حتى اللحظة الأخيرة، فأفاجئ الجميع وأنقضّ عليهم انقضاضاً...
• في الجوّ نسور عيونها حادة ليس أقل من عينيك، وعلى الأرض أسود أنيابها ليست أقل حدّة من أنيابك...

• زلمنا أكثر من زلمهم، والمهم أن ميزانياتي ووعودي أوفر وأغزر مما لديهم!
• إذن تكسب المعركة!
• دع كل شيء لأوانه، وسترى...
المثل كذّاب!

يعتقد الكثيرون أن المثل ليس كذّاباً، فهو حصيلة تجربة حياتية وخلاصة حكمة وحنكة ودراية!
وينسى هؤلاء أن ألمثل قد يكون أيضاً وصفاً لحالة نموذجية مثلى يرنو إليها الناس ويتوقون للوصول إليها ويحلمون بتحقيقها!

فها هم الناس يقولون إن الكذاب يستطيع أن يكذب على جميع الناس لبعض الوقت، أو أن يكذب على جميع الناس لبعض الوقت، ليس إلا...
ونحن نقول عكس ذلك، فلهذا المثل – إذا اعتبرناه قاعدة – ما يثبت كذبه، أي أن له ما ينقضه، والدليل لدينا، بل لدى كلّ واحد منا تقريباً!

وللتأكّد من ذلك يمكن لكل واحد أن يراجع ما يعرفه عن بعض السياسيين – لا كلّهم – على مستوى محلي وقطري وإقليمي وعالمي، وسيجد حتماً أن هؤلاء ما زالوا يكذبون ويكذبون ويكذبون وتصدّقهم الأكثرية الساحقة من الناس – إن لم يكن جميع الناس - وعلى مدى تربعهم على عروشهم المخلّعة!
أما عندما تنهار عروشهم المخلّعة و"تهرّش ثيرانهم" فتكثر السكاكين المتربصة بثيرانهم وبهم وينقلب عليهم ممالئوهم!

جائزة نوبل في الكذب!

ألفرد نوبل (1833 – 1896) كيميائي سويدي، ولد في استوكهولم وتوفي في سان ريمو، يعتبر من أكبر المخترعين في التاريخ البشري، وقد سجلت على اسمه أكثر من مائة براءة اختراع، لكن اختراعه الأهم كما يرى الكثيرون كان اختراع البارود، حيث اخترع الديناميت عام 1866، وقد اخترعه لتفجير الصخور وشقّ الطرق وحفر الأنفاق في جبال الشمال الصخرية، فحوله البشر إلى إحدى أكثر وسائل القتل فتكاً ووحشية!

وعندما رأى نوبل ذلك قرر أن يوصي بتركته لمنح جائزة مجزية لمن يقوم بعمل خيّر للإنسانية، في الآداب، الفيزياء، الكيمياء، الطبّ والسلام، تكفيراً عن اختراعه البارود القاتل الفتاك إياه!

وعمل المسؤولون بوصيته فراحت الأكاديمية السويدية للعلوم والآداب توزع سنوياً جوائز نوبل في عدة ميادين للنابهين من أصحاب العقول والأفكار من أدباء وشعراء وعلماء في ميادين شتى مثل الأدب والطب والكيمياء والرياضيات والسلام!

وتعتبر هذه الجوائز أعلى الجوائز وأهمها على الإطلاق وعلى مستوى العالم بأسره، حتى وإن دخلت إليها السياسة في السنين الأخيرة، كما يقول البعض، فراحت تصدر من محيطها شائعات وروائح غير ذكية!
ويفتقد المرء بين الميادين التي تمنح فيها الجائزة ميدان ... الكذب!

أجل، الكذب!

فثمّ كذّابون يملكون قدرة على الكذب تفوق أضعافاً مضاعفة مما يملكه الحائزون على جائزة نوبل في الميادين المختلفة من قدرات!
والمشكلة الوحيدة التي قد تعيق منح جائزة نوبل في الكذب تكمن في أعداد الكذابين "المحترفين والمتمرسين والموهوبين" الهائلة جداً التي تفوق موارد الأكاديمية السويدية بل موارد حكومة السويد كلها كما يبدو!

والأسوأ أن هؤلاء الكذابين لا يعترفون بأكاذيبهم، بل يصنفونها بألوان مختلفة، متجاهلين أن الكذب هو الكذب بغضّ النظر عن لونه!
وآخرون من الكذابين "الموهوبين المحترفين" يعللون الكذب ويفسرونه على أنه مرونة، أو براغماتيا، أو أو ما شاءوا من التسميات الهادفة للتغطية على أكاذيبهم...