كنوز نت - د. منعم حدّاد



"ديموكتاتورية"؟


الديموقراطية، نظام الحكم الذي طالما حلم به المظلومون والمستعمرون (بفتح الميم) والذين يعانون من بطش سلطان غاشم ودكتاتورية حاكم مستبد ظالم وتغنى بها الباحثون عن الحرية والعدل المساواةـ تعني، وباختصار شديد، حكم الشعب لنفسه، إم حكماً مباشراً وإما بواسطة نواب ينتخبهم في انتخابات حرة نزيهة، ينوبون عنه، وكانت بدايتها في أثينا القديمة، وتعني حرفياً "حكم الشعب"، "شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة - إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين - في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين. وهي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي". 

و"يعود منشأ ومهد الديمقراطية إلى اليونان القديم حيث كانت الديمقراطية الأثينية أول ديمقراطية نشأت في التاريخ البشري".

أما الدكتاتورية فهي " شكل من أشكال الحكم المطلق حيث تكون سلطات الحكم محصورة في شخص واحد كالملكية أو مجموعة معينة كحزب سياسي أو ديكتاتورية عسكرية. كلمة ديكتاتورية مشتقة من الفعل اللاتيني"dictātus ديكتاتوس" بمعنى يُملي أو يفرض أو يأمر والديكتاتورية في المجتمعات المغلقة لا تسمح تشكيل أحزاب سياسية ولا أي نوع من المعارضة وتعمل جاهدة لتنظيم كل مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية وتضع المعايير للأخلاق وفق توجهات الحزب أو الفرد الحاكم..."

والحكم في بلادنا ديموقراطي وفي قمة الديموقراطية...، فالانتخابات للكنيست تجري كما هو مفروض مرة كل بضع سنوات، ويشارك في الاقتراع واختيار ممثلي الشعب جميع أصحاب حقّ الاقتراع أي الذين بلغوا الثامنة عشرة من أعمارهم المديدة، وقد يقدم الائتلاف الحكومي أحياناً على اقتراح حل الكنيست وإجراء انتخابات جديدة قبل الموعد المحدد لها، خاصة إذا لم تسفر الانتخابات عن حسم واضح يمكّن أحد الفرقاء تشكيل حكومة جديدة، كما حدث في السنة الأخيرة، حيث أجريت الانتخابات ثلاث مرات متتالية في غضون سنة واحدة فقط.

لكن الديموقراطية ورغم تميزها عن الدكتاتورية الغاشمة فهي ليست أقل ظلماً واستبداداً منها في بعض الأحيان، وكثيراً ما تستغلها الأكثرية مهما كانت ضئيلة، لمصلحتها الخاصة ولتثبيت حكمها المتهاوي وللسيطرة على الأقلية وقمعها واستهداف حقوقها.


ولا يخلو النظام الديمقراطي من شوائب ونواقص عديدة، فمثلاً إذا تقاربت الأصوات في تصويت معين في البرلمان، أي واحد وخمسين عضواً مثلاً مقابل خمسين آخرين، فالذي يقرر النتيجة الحاسمة في الواقع هو صوت واحد، وهو الصوت الحادي والخمسون، وإلا لتعادلت الأصوات...

ومن شوائب الديمقراطية السلطة المطلقة تقريباً لرئيس السلطة التنفيذية، أي رئيس الحكومة، وهو الذي يكلفه رئيس الدولة عادة بتشكيل الحكومة، وتفوز حكومته بثقة البرلمان، لكن هذا الرئيس يتمتع كما يبدو بصلاحيات تمكنه من عزل أي وزير يشغل وزارة ما في حكومته بمجرد مكالمة هاتفية، أو تعيين وزير جديد بمكالمة أخرى، أي أنه يستطيع التعامل معهم وكأنهم حجارة شطرنج أو دمى، وبأسلوب شبه تعسفي لا يتبعه إلا حاكم دكتاتور أو ملك ظالم طاغية مستبدّ.

ومن جهة هذا من حقّه، لأنه هو هو الذي يتحمل في النهاية مسؤولية أعمالهم، ونتائجها وتبعاتها، ومن واجبهم التعاون معه والعمل من أجل المصلحة العامة.

لكن هذا الوضع يجعلهم وكأنهم جنود صامتون يسيرون تحت إمرته وبقيادته، حكيمة كانت أم غير حكيمة، ويصبحون بذلك "تحت رحمته"، فإذا لم يرض عن أي منهم سرعان ما يعزله من منصبه ويطيح به من وزارته، وهذا يجعله أشبه بملك أو بدكتاتور متسلط مستبد لا يهمه غير مصلحته الشخصية واستمرار تربعه على "عرش السلطة" مهما كانت الظروف، ويحوّل بعض هؤلاء الوزراء إن لم يكن كلهم إلى شبه قطيع لا يجرؤ على فتح فمه وقول الحقيقة، لا يهمه إلا مسايرة الزعيم ومداراته والسعي لنيل رضاه حرصاً على الوزارة التي يتسنّمها، لئلا يستفيق ذات صباح فيجد نفسه معزولاً من وزارته، وتصبح الديمقراطية بذلك أسوأ أشكال الحكم، فلا هي ديموقراطية ولا دكتاتورية وإنما ما يحلو للبعض تسميته بالديموكتاتورية... لأنه ديموقراطية تمنح الرئيس صلاحيات بعضها أشبه بالدكتاتورية، بل ربما أسوأ منها.