كنوز نت - بقلم : شاكر فريد حسن



الشاعرة ميّادة سليمان وحروف كالفراشات



مشَينا في دروبِ الحُبْ
وأهداني فَرَاشَ الوِدْ
ورودًا باتَ يقطِفُها
وهمساتٍ يوشوشُني
فباتَ الخدُّ مُحمرَّا
ودندنَ لي ألحانًا
فدَاخَ الخفقُ
في رِئتي
ومِن فرحٍ
بريقُ العينْ
باتَ يُنافسُ الدُرَّا
فسِرنا وسارَ ثالثُنا
ملاكُ الحُبِّ والإخلاصْ
وفي عَجَلٍ تراءى لي
إبليسُ يسعى للهجرِ
فهدَّتْني عَبراتٌ
وزارتنِي آلامٌ
وألفُ لوعةٍ حرَّى
ومن ضيقٍ كادَ يخنقُني
غلامَ البينِ أعدمتُه
مخافةَ فتنةَ الولهِ
وما كنتُ لقتلِ النَّفسِ مُفترَّة
ومن تهيامٍ ومن وجدٍ
خرقتُ سفينةَ الأشواقْ
جدارَ العرفِ هدَّمْتُهْ
وكانتْ صرختي الكُبرى:
أنا أنتَ!
أنا أنتَ!
بصوتٍ يُنبي أنِّي فوقَ كفِّ العزِّ
قد عشتُ
بماءِ الرّفضِ
تعمّدتُ
فكانتْ ثورتي الأولى:
أنا حُرَّة!
أنا حُرَّة!

فجِئني الآنَ بالمهرِ
وما مهري سِوى لُقيا
تؤرِّقُني
وتصلبُني على وعدٍ
يُدمِّي القلبَ والصَّدرا
تعبتُ وانتهى جَلَدي
أنا بشرٌ
ولي زمني
فلستُ نوحَ أو يَعقوبْ
ولستُ مُوسى أو خِضْرا
اشتقتُ إليكَ
فخُذْ بيدِي
وعانِقْني
كفى وجعًا وهجرانًا
وقُلْ إنّي كفاتِنتي
يُذيبُ العشقُ أورِدتي
فما عُدتُ
أُطيقُ الشَّوقَ والصَّبرا


وقع نظري على هذه القصيدة التي استعذبتها لجمال سبكها وشفافية مضمونها ، للشاعرة السورية الصديقة ميادّة مهنًا سليمان ، التي تميل للنصوص النثرية كثيرًا ، وقد قرأت لها نصوصًا عديدة ، فوجدت يراعها سابحًا وفكرها سارحًا ، لترسم لنا لوحة ابداعية جميلة مؤطرة بالإبداع الادبي ، وتقدمها وجبة بسهولة ويسر دون تعقيدات ، وتكلف .

فشاعرتنا مياّدة تبحر فينا بفسيح الخيال ، ونجول في فضاء نصها الماتع ، الذي تتجلى فيه الكثافة والعبارة الايحائية والرمز الشفاف الدال .
هو نص نثري متماسك البنيان ، شاهق المبنى ، عميق المعنى ، مكثف ومركز ، يحمل دلالات وهاجة ، ومفردات منتقاة بعناية ، وحروف كالفراشات ، ضمنته تجربة وجدانية صادقة ، وحالة عشقية حياتية ومواقف انسانية ، من خلال تعبيرات موحية ، وتراكيب عذبة ، وصور شعرية ماتعة . 

ميادّة سليمان شاعرة قادرة على تطويع الكلمات ، لا تكتب إلا إذا سيطرت وألحت عليها الحالة الشعورية الكتابية ، ولذلك تأتي كتاباتها عفوية دون حشو وتصنع ، معتمدة على التكثيف والتركيز .

وفي نصها تمشي ميّادة في دروب الهوى ، تشم ورود الحبيب التي قطفها من بساتين الحب ، وأهداها إليها ، وتصغي لهمساته ، تمتزج فيه روحيًا ، وتتعذب من الهجر والبعاد ، فيعصف الشوق في صدرها وداخلها ، فتتوسل إليه ان يأخذ بيدها ، ويعانقها من جديد ، وتقول له : كفى وجعًا وهجرًا.

ميّادة سليمان تتخذ من الحرف معبدًا ترتل فيه ترانيم الحب ، وأناشيد العشق ، وفي نصها تحمل روحها ، وتصور فضاءاتها ، وترسم مشاعرها الوجدانية وعواطفها الجياشة بريشة شديدة الاحساس ، وبلغة أنيقة ، وموسيقى شجية ، وتدفق سلس بلفظها .

ولمن لا يعرف ميّادة سليمان ، هي شاعرة وقاصة وناقدة من الموجة الأدبية السورية الجديدة ، تقيم في مدينة القامشلي ، تشغل مديرة مدرسة ، ولها حضورها المميز على الساحة الأدبية من خلال ابداعاتها ، وأعمالها الشعرية والقصصية . تكتب في معظم الأجناس الأدبية لكنها تفضل الشعر كلون أدبي ، قادرة من خلاله على البوح والتعبير عما يجيش في قلبها ووجدانها من عواطف ومشاعر . وهي تكتب بكثرة عن الحب وهموم الأنثى وأحاسيسها ، وتنتمي لأسلوب السهل الممتنع .

صدر لها في الشعر : " تبًّا للقرنفل الأحمر " و " وعناية فائقة للحب " . وفي مجال القصة القصيرة جدًا مجموعتها الموسومة " رصاص وقرنفل " ، وشاركت في مجموعة قصصية مع آخرين بعنوان " سنابل من حبر " .

ميّادة سليمان شاعرة تحلق في فضاء الكلمة الناعمة والبوح الوجداني ، مفعمة بالإحساس الانساني الخالص الجميل ، وما يميزها حرارة الانفعال ، وصدق التجربة ، وشفافية الروح . فلها خالص التحيات والتمنيات لها بالمزيد من النجاحات ودوام العطاء والتألق الأدبي ، وتحقيق ما تصبو إليه من مشاريع أدبية وثقافية .


...