كنوز نت - بقلم : شاكر فريد حسن


خلف ظلال روز اليوسف شعبان


رأيتهم خلف الظلال!! 
يرقبون مرابعي
كنت أُجدِّلُ حبالَ ضفائري
أرش الماءَ في أحواض النعناع
وألثمُ الحبق
كان بيتي سقفُهُ داليةٌ من العنب
ورواقُهُ مصطبةٌ
تنتصب في جنباتها
أصائصٌ من الفل
يعانقها الفراشُ
ويحمل عطرَها
صوبَ الشفق
كانوا هناك!!
يرقبون أحلامي
يخطّون لوحاتِهم في بيادري
ويغرسون أشتالا من الاوهام
والألق
كنت أحمل جنيني
في رحم الالام والآمال
وأتوق لمرآه يعدو
بين الحقول والكروم
يلعب بطابة
من الخِرق
يحرس الكروم
يغرس الآمالَ وعودا
ويفرش الغدَ
سنابلَ قمح
تموج في بيادر

الشفق
كانوا هناك خلف الظلال
يرقبون عرائش العنب
يملؤون الدنان
نبيذا
ويعصرون الهمّ
بين دفات الأماني
يتراقصون على ايقاع
آلامي
وينتظرون!!!
وتحت عريشة العنب
افترشتُ وسائدَ المخاض
أنتظر ميلادَ جنيني
وأكسو مهده
بالطيب والعبق
رأيتهم هناك!!!
خلف الظلال
يلملمون أوهامهم
ينتظرون بخوف وقلق!!!

الصوت هنا هو صوت الشاعرة المقيمة والمستوطنة في احضان الوطن والتراب والتراث الفلسطيني ، الأستاذة روز اليوسف شعبان ، التي أخذت ترفد حركتنا الشعرية ومشهدنا الادبي والثقافي بإبداعاتها الشعرية والنثرية ، وتمتعنا بقصيدة أسبوعية كل يوم أحد ، تنشرها على صفحتها الشخصية في الفيسبوك .

وقصيدتها المثبتة أعلاه هي قصيدة رقراقه ، طافحة بالمشاعر والأحاسيس ، عميقة الأبعاد والمعاني ، جميلة في تعابيرها ، شفافة بكلماتها . فيها حنين نوستولوجي ، وفيها انتماء للجذور وللهوية وللأمكنة ، واستحضار لحياتنا الغابرة ، لريفنا الفلسطيني وتراثنا الخالد ، تراث الآباء والأجداد ، ولبيادرنا ومصاطب بيوتنا الطينية ، وعرائش العنب ، واحواض النعناع ، وينابيع وعيون الماء ، حيث النسوة يحملن جرار الماء على رؤوسهن ، وقصص الحب والنظرات البريئة عند الغدير .

روز اليوسف في هذه القصيدة تعيدنا إلى الماضي الغابر ، أيام القلوب الطاهرة النقية ، والمحبة الجميلة التي كانت تسود بين الناس ، إلى البساطة والهدوء وراحة البال ، إلى الصدق الانساني ، دون زيف ومظاهر براقة ، ودون سباق وتنافس اجتماعي وغيرة ، كما هو الحال في زماننا . ويمكن أن نقول أنها قصيدة تنتمي إلى الشعر والأدب الايديلي .

لقد أبدعت فعلًا الاستاذة روز اليوسف شعبان ، واحسنت الوصف ، واجادت التعبير، وقدمت للقارئ نصًا رائعًا شفافًا ، بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، وبكل رقة ورهافة حس ، وبلغة حسية رشيقة . وهو نص فيه غنائية ، وكثافة خيال ، وجمالية فنية ، ودفق شعوري نابض بالحيوية والذكريات ، ويزخر بالتعابير الجميلة التي تنم عن حس إنساني رهيف وتذوق للجمال والكلمة الماتعة الدافئة .

روز اليوسف ظاهرة جديدة نامية في النص ، في الصدق ، في التواضع ، في الطيبة ، في الرقة ، وفي البوح الشفاف ، بعيدًا عن الكليشيهات والألغاز والحشو اللغوي ، وعن الزيف والتصنع والظهور الكاذب والافتعال المبتذل .

روز اليوسف واصلي المشوار ، المستقبل الأدبي والشعري أمامك ، تتألقين وتبدعين في كل نص جديد ، ويمكن المراهنة عليك ، مع التحية وقدمًا إلى امام ، وطريقك مفروشة بالورد والرياحين .