قانون أساسي: إننا صادقون


جدعون ليفي هآرتس،24.5.2018 ترجمة: أمين خير الدين  
     

شرطة إسرائيل لا تضرب المواطنين عبثا. جيش الدفاع الإسرائيلي لا يُطلِق النار على المتظاهرين عبثا. المستوطنون لا يسرقون أرضا. الفلسطينيون هم المستوطنون. المحاكم العسكرية جهاز قانوني. إسرائيل دولة ديمقراطيّة. جيش الدفاع الإسرائيلي جيش أخلاقيّ. سلاح الجوّ سلاح ذو قيَم. هرب العرب بإرادتهم، الفلسطينيون هم المسؤولون عن حالتهم، إسرائيل مُحِقّة دائما.
      
هذه هي الأسُس الأساسية التي أقيم عليها البيت، الأسهم الذهبية للمشروع اليهودي. لا يحق لأحد الاعتراض عليها. ليس هناك أيّ سبب. هذه هي الحقيقة المُطْلَقَة، وعلى ضوئها نحكم على الأحداث. حقيقة مطلقة كهذه تكون فقط في الأنظمة المُطْلقة وفي – "رواية 1984 " لجورج إرويل. تنبئنا الأيام الأخيرة، عن مدى تدهور إسرائيل بوسائلها لفرض حقيقة مطلقة، ولا ينبغي التهاون بها. لن يكون بعيدا اليوم الذي ستقام فيه وزارة حقيقة. كما في "رواية 1984".
        
من الواضح تماما أن رجال الشرطة كسروا رِجْل جعفر فرح. لكن هذه الحقيقة تناقض الحقيقة الأساسية: الشرطة لا تضرب المتظاهرين، لذلك ترتفع "علامات الأسئلة"، ويسمح المفتش العام للشرطة لنفسه لأن يقرر،"ربما جاء للمظاهرة مع رجل مكسورة". أمر واضح وضوح الشمس في كبد السماء وقت الظهيرة، كما أن المعلم يعقوب أبو القيعان لم يحاول دهس أحد، لكن الشرطة ليست عنيفة ولا تقتل عبثا، ولهذا نحتاج إلى فِرْيَة دمٍ ولجنة تحقيق لا تنهي تحقيقها أبدا. لأنه لا يُمْكن نقض الحقيقة المُقدّسة.
        

من الواضح أن المتظاهرين عند جدار غزّة لم يُعرِّضوا حياة أحد للخطر ومن المؤكّد أنه جرت هناك مجزرة، وبدون شكّ لم يكن تبرير لإطلاق النار على آلاف الأشخاص، وقتل العشرات وتحويل المئات لمشوّهين. لكن الأمر يتناقض مع الحقيقة الأساسيّة: جيش الدفاع الإسرائيلي جيش أخلاقي. لذلك يتحتّم تحويل آلاف المتظاهرين لمخرّبين، مع قنابل في جيوبهم؛ وإظهار عملية التسلّل إلى إسرائيل على أنها تهديد لوجودها، وأن الطائرات الورقيّة التي أُطْلِقت في الجو كتبريرلإعدامهم بأيدي الجنود. ليس هناك طريقة أخرى للملاءمة بين الحقيقة الأساسيّة، جيش الدفاع الإسرائيلي لا يُطْلِق النار عبثا، وبين الواقع، لذلك يجب دائما إيجاد واقع بديل.
      
 يجب إيجاد واقع بديل لتبرير قتل آلاف الآدميين في غزّة وتبرير الدمار الفظيع الناتج عن قصف سلاح الجوّ للأحياء السكنيّة خلال عملية "الرصاص المسكوب" وعملية "الجرف الصامد". سلاح الجوّ سلاح ذو قِيَم، ومن غير المسموح نقض ذلك – فقط فلتحاولوا. الإرهاب الزراعي هو عندما يمس الفلسطينيون بمُلْك يهودي، امّا عندما يقتلع مستوطنون، يحرقون، يدمّرون فهذا ليس إرهابا لأن المستوطنين ليسوا لصوصا، وليسوا مجرمين وليسوا عنيفين. هذه حقيقة أساسيّة. لذلك يجدون واقعا بديلا، يكون فيه المستوطنون ذوي أخلاق، طلائعيين، ضحايا وأبطالا. الاحتلال ليس احتلالا، القانون الدولي لا يسري على إسرائيل. العالم كلّه ضد الساميّة، ونحن جميعنا ضدّه. وكل ذلك حتى لا تتصدّع الحقيقة المطلقة.
     
 كان أيضا في الاتحاد السوفيتي حقيقة مُطْلَقَة، ومن أجلها اخترعوا واقعا بديلا، هناك أيضا، كما هو عندنا، كان الإعلام هو المتعاون الرئيسي مع السلطة. كان يُنْشَر في الإعلام السوفييتي عن نجاح الصناعة وعن الإنجازات الزراعيّة في الوقت الذي كانت فيه تمتد طوابير مخيفة أمام منصات فارغة. وكذلك الإسرائيليون يصطفّون بطوابير لا نهائيّة أمام رفوف خالية أخلاقيا، في الوقت الذي لا يتوقف الإعلام عن التغطية بقصص عن نجاح وتبرير دولتهم المحبوبة والمسؤولة عن رفوف هضم الحقوق. "F–35 – إسرائيل أولا"، و"رسالة ’شديدة‘ لإيران من فوق أجواء بيروت"، هذا ما صرخت به العناوين أمس، ولم يسأل أحد لماذا وبأيّ حق من أجواء بيروت. لأن هذا أيضا يتناقض مع الحقيقة الأساسية، إسرائيل مُحِقّة دائما.
  
"عن أيّة مجزرة تتكلّم؟" سألت غيئولا إيبن – ساعر عضوَ الكنيست أحمد طيبي، "إنهم مخرّبون". هذا هو الواقع، إيبن-ساعر قالت ذلك على شاشة التلفزيون، وأيضا في راديو كونشتتر في مسرحيّة هزليّة لإفرايم كيشون قالوا إنه "هذه الليلة فُجِّرت بناية الهستدروت"، في الوقت الذي كان يحاول شموئيل رودنسكي أن يُثْبِت لشموئيل سيغال أن البناية قائمة، وأنه يقف بجانبها ويراها – ومع ذلك لم ينفعه شيء.
 نظام مُطْلق لا يقوم بدون حقيقة مُطْلَقَة.
24.5.2018