.jpg)
كنوز نت - النقب
بحضور المئات.. انتهاء أيام عزاء المناضل نوري العقبي في قرية عرب العقبي في النقب
نوري العقبي... | 20.1.1941 – 4.11.2025
شارك حشد واسع، مساء الجمعة، في وداع المناضل نوري العقبي (أبو صلاح)، الذي أُقيم مع انتهاء ثالث أيام العزاء بقرية عرب العقبي في النقب، بمشاركة المئات من الأهل والأصدقاء ومحبي الفقيد، الذي رحل عن عمر ناهز 84 عامًا، وبعد مرور 75 عامًا من تهجيره مع أبناء عشيرته من أرضه في قرية العراقيب، في نوفمبر/تشرين الأول من العام 1951.
وقد شهدت الأمسية حضور عددًا من القيادات والشخصيات البارزة، وحشد كبير من الأهالي والمحبين.
وتحدث الدكتور سامي أبو شحادة، رئيس التجمع الوطني الديمقراطي، الذي حضر مع وفد إلى خيمة العزاء، حيث قال: "كان على رأس جيل المناضلين، حيث كنا نسمع عنه وعن نضالاته ودوره ونحن أطفال.. إنسان أعطى كل حياته لأهله وناسه وشعبه وقضيته. كان من الشخصيات الأبرز على مستوى شعبنا. تعرفون أن القليل من الناس الذين يتحملون النضال كل الوقت، ولكن أخينا وأستاذنا نوري العقبي كان من القلائل الذين اختاروا هذا الطرق الصعب وساروا فيه، لأنه كان بالنسبة له طريق الحق وأعطى حياته وكل مكان ليس في النقب، حيث كان له دور في اللد وفي كل معركة على المستوى القطري كان يأتي ليتضامن مع أهلنا وناسنا وأبناء شعبنا – لأننا أبناء شعب واحد وعائلة واحدة وعشيرة واحدة".
وكشف البروفيسور أورن يفتحئيل عن كتاب "الأرض الفارغة" الذي ألفه بالتعاون مع الدكتور أحمد أمارة، والذي تناول في معظم صفحاته قضية تهجير عشيرة العقبي، ونضال الفقيد من أجل الأرض والمسكن. وقال في كلمته: "لقد عرفت نوري منذ ثلاثين عامًا. منذ الثمانينيات تعرفت إلى نوري العقبي في نضاله ضد تهجير أهل تل الملح حيث كان الفقيد بالنسبة لنا مثالا يحتذى به في الإنسانية ومساعدة الناس، وكان يعرف موقع كل عائلة وكل حجر وكل بئر وكل بايكة في الأرض، حتى تلك التي تم دفنها. كان رجل الوطن. كان مصيره مصير الشعب الفلسطيني، المهجر، وبدون حقوق ومطارد من الدولة التي لا تريد أن تصدقه على الرغم من أن الوثائق والحقيقة كانت بين يديه".
وتحدث الشيخ مؤيد العقبي باسم العائلة حيث شكر المعزين من كافة البلاد، وأكد أن العائلة ماضية في نقل إرثه للأجيال القادمة، لكي لا ينسوا ما قام به على مدار عقود من الجهد والعمل النضالي والميداني.
وعلى مدار ثلاثة أيام العزاء استذكر العشرات من المعزين مواقف الفقيد معهم ولفتوا إلى حضوره في كل المواقف للدفاع عنهم في وجه الظلم.
*نشأته*
وُلد نوري العقبي في العراقيب في 20 كانون الثاني 1941، وعاش طفولته في أرض الآباء والأجداد التي عشقها حتى نسماته الأخيرة، حيث كان للعائلة 19 ألف دونم من الأرض في هذه القرية التي هُجروا منها حين كان في العاشرة من العمر، بأوامر عسكرية.
رحل نوري العقبي مساء يوم الثلاثاء، الرابع من نوفمبر/تشرين الأول 2025، وهو يُعتبر قامة من قامات النقب بل وعرب الداخل عامةً. لقد كان الفقيد القائد والمناضل الأول في الجنوب، وايقونة في حب الأرض والدفاع عنها، وكان من بين الذين تصدوا للظلم ودفع ثمنًا باهظًا في ملاحقة السلطات له وسجنه وحتى المس بمصدر رزقه – ولكنه لم يستسلم أبدًا.
في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي بدأ ينشر مقالات في مجلة "المرصاد" واتي كان محتواها معاناة الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل من اضطهاد ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم تحت الحكم العسكري والذي دام حتى عام 1966 حيث حُرمت الأقلية العربية من أبسط حقوق المواطن من التعليم والصحة بالإضافة لمنعهم من السفر إلى مناطق تتجاوز شارع 60. لقد هجرت العشائر البدوية عام 1951 ومن بين هذه العشائر عشيرة العقبي والتي تم ترحيلها في شهر تشرين ثان من عام 1951، من منطقة العراقيب موطنهم الأصلي وأرض آبائهم وأجدادهم منذ مئات السنين قبل قيام دولة إسرائيل. لقد تم ترحيلهم بحجة أن الأرض مطلوبة لأغراض عسكرية لمدة ستة أشهر، يستطيعون العودة إلى أراضيهم بعدها، إلا إن الستة أشهر لم تنتهِ حتى يومنا هذا، وما زال أبناء عشيرة العقبي كغيرهم من أبناء العشائر المهجّرة يعانون من ظروف قاسية جدًا دون أي بنى تحتية، في قرى غير معترف بها، لا يوجد فيها خدمات صحية ولا مؤسسات تعليمية ولا حتى كهرباء.
هذه الأوضاع والتي كانت أشد قسوة حركت فيه روح الوطنية وكيفية الدفاع عن أبناء شعبه الذين يحرمون من كل مقومات الحياة الأساسية كالتعليم والماء والكهرباء والخدمات الصحية، خاصة وأنه عاش فترة التهجير التي كانت ترافقها الترهيب والتخويف من قبل الجيش الإسرائيلي لإجبارهم على الهجرة من أرضهم ومصدر رزقهم.
وقال د. خليل العقبي، شقيق المرحوم: "نعم. لقد ترجّل الفارس المناضل أبو صلاح صاحب الكلمة الصادقة والمواقف الباسلة بعد أن قضى معظم حياته مدافعًا شرسًا عن النقب بأرضه وإنسانه ومسجده ومقبرته. رافقته في زيارة لمسجد بئر السبع الأسير في مثل هذا الشهر قبل 12 سنة، والذي استبسل في الدفاع عنه بشتى الوسائل وكان من أوائل من رفع قضيته لأروقة المحاكم فاضطرت البلدية لترميمه وصيانته. رحمك الله يا أبا صلاح. سيخلدك التاريخ أن نحن نسيناك. ولن ننساك. استرح قرير العين فقد بذلت كل ما بوسعك ولم تبخل بشيء".
كانت بداية نضال نوري العقبي عندما كان يتعلم في إحدى الكيبوتسات مهنة الميكانيكا، وسرعان ما أقام ناديًا للشبيبة أقام فيه بعض الفعاليات الرياضية ودورات لمحو الأمية.
وبعدها انتقل لمدينة اللد ليتسنى له تكملة دراسته المهنية في الكلية التكنولوجية في تل أبيب حيث حصل على شهادة تأهيل تمكنه من فتح كراج لتصليح السيارات. وقد قام بفتح كراج في مطلع الستينيات عمل فيه بكد ونشاط حتى منتصف السبعينيات حيث تفرغ لخدمة أبناء شعبه. كان عنيدًا لم يخف إلا الله في قول كلمة الحق، ما أزعج السلطات التي لاحقته حتى أيامه الأخيرة.
كانت أول خطته النضالية حرث وزرع أرض والده التي هُجّر منها وذلك في تشرين الأول من عام 1973، حيث أثارت هذه الخطوة غضب السلطة والتي قامت بمقاضاته وانتهت القضية باتفاقية بين الطرفين على أن تمنح دائرة أراضي إسرائيل مسحة 500دونم للشيخ سليمان العقبي لغرض الزراعة الموسمية.
في عام 1978 قرر العقبي إقامة جمعية ليتمكن من خلالها خدمة أبناء شعبه والدفاع عن حقوقهم. وبالفعل تم إقامة جمعية مؤازرة وحماية حقوق البدو في إسرائيل وقد تم شراء مقر للجمعية في البلدة القديمة في بئر السبع.
قامت الجمعية بنشاطات مختلفة كالدفاع عن الأرض وتوفير الكتب المدرسية لطلاب المدارس وفتح دورات في اللغات العبرية والإنجليزية والرياضيات لإعداد الطلاب لاجتياز امتحانات البجروت وتهيئتهم للقبول في الجامعات، كما وقامت بتقديم منح دراسية لطلاب الجامعات ووفرت لبعضهم المسكن في مقر الجمعية. ومن أعمال الجمعية تقديم الملابس للعائلات المستورة وبعض الطرود الغذائية.
*النشاط السياسي*
في نهاية السبعينيات أقام نوري العقبي ورفاقه من كافة المناطق في النقب والمثلث والجليل، الحزب العربي "نحن قوة" ورمزه ن.ق.، إلا أنّه لم يحصل على نسبة الحسم. وفي انتخابات 1984 أقام مع شركائه المحامي محمد ميعاري وماتي بيلد "الحركة التقدمية للسلام والمساواة" وكان ترتيبه الثالث، وفي هذه المرة حصلت هذه القائمة على مقعدين فقط.
في فترة كان له لقاء مع شولميت ألوني، رئيسة حزب راتس في حينه، حيث اقترحت عليه الانضمام إلى حزبها على أن يكون ترتيبه الرابع، وقد اشترط العقبي شطب كلمة "صهيوني" من اسم الحزب، ما رفضته رئيسة الحزب، وهكذا لم يتوصلا لاتفاق.
وأستمر في خدمة أبناء مجتمعه ليلاً ونهارًا، وكان في استقبالهم كل يوم خميس ليستمع لشكواهم ويقوم بمعالجتها عن طريق المكاتب الحكومية أو من خلال أروقة المحاكم. هذا بالإضافة إلى الزيارات الميدانية للأهل في النقب والمركز وحتى قرى الجليل، والوقوف إلى جانبهم ومساندتهم.
*تسييج المقبرة الإسلامية في بئرالسبع*
لقد كان نوري العقبي أول من طالب بتحرير المسجد في مدينة بئر السبع حيث توجه بكتاب لوزير الأديان مطالبا إياه إخلاء المسجد في مدينة بئر السبع وتسليمه لأيدٍ إسلامية وكان رد الوزير أنه لا يعارض في حال وافقت بلدية بئر السبع، والتي رفضت الاستجابة لطلبه مما اضطره لتقديم التماس للمحكمة العليا الإسرائيلية، واقترحت المحكمة أن يتم ترميم المسجد وتحويله إلى متحف للطوائف الشرقية والإسلامية. رفض "أبو صلاح" هذا الاقتراح والذي قبلته بلدية بئر السبع وأقرته المحكمة.
كما وطالب بتسييج المقبرة الإسلامية في بئر السبع، وبالفعل تم تسييجها وقامت الجمعية بحملة ترميم للقبور وتنظيف المقبرة. وقد كانت له نشاطات متعددة دفاعًا عن قضايا المجتمع العربي في اللد والرملة ويافا والخضيرة وحتى الجليل، إذ لم يكن يعرف الكلل، واستجاب لكل نداء أينما كان.
*عودته إلى العراقيب*
انتهى المطاف بنوري في عام 2001، حيث قرر العودة إلى العراقيب وإقامة خيمته على أرض الآباء والأجداد؛ لم يحظَ بتعاون من أبناء عشيرته، وكان مستهدفًا من الشرطة الإسرائيلية والدوريات الخضراء وأدين وكانوا يقومون بهدم خيمته أسبوعيًّا وبالمقابل كانوا يقومون بفتح قضية ضده وأحيانا عندما كان يتواجد في المحكمة أو في تأدية مصلحة ما، كانوا يقومون بإتلاف ممتلكاته وسرقة بعضها.
وعندما تكررت عملية هدم الخيمة، قرر شراء شاحنة صغيرة لتكون له بمثابة مأوى للمبيت ليلا فيها ولتكون قانونية، إذ إنها غير ثابتة ويمكن تحريكها من مكان إلى آخر، ولم تسلم سيارته في المرة الأولى والثانية والثالثة، حيث تم مصادرتها من قبل الشرطة والتي قامت بالاعتداء عليه ومنعه من شرب الماء في ساعات الحر الشديد، بل قاموا بخنقه وفي إحدى المرات قام أحد ضباط الشرطة بكسر إبهام يده اليمنى. وكان مجمل ما تمّ تقديمه للمحكمة 75 ملفًا وانتهى الأمر باتخاذ قرار إبعاده عن منطقة العراقيب بشكل نهائي.
ويروى شقيق الفقيد: "أتذكر حدث مهم في حياته النضالية وكان ذلك في مطلع التسعينيات، في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، حيث علم نوري عن موعد زيارته لإسرائيل وعن مكان إقامته في فندق الملك داؤود، فقام بإعداد ملف باللغة الإنجليزية يشمل قضية أراضي البدو ومعاناة السكان البدو في إسرائيل. قرر نوري تسليم الملف بشكل شخصي ليد الرئيس بوش، إذ كان متأكدًا بأنه إذا تم تسليمه ليد أحد المساعدين سيقوم بإتلاف هذا الملف دون أن يصل محتواه إلى الرئيس. حينما وصل موكب الرئيس اقترب نوري وأنضم إلى المجموعة دون أن يلاحظ عليه أحد وقام بإخراج الملف الذي كان قد أخفاه تحت معطفه وأقترب ليقوم بتسليمه إلى الرئيس، وهنا انقض عليه الحرس وأمسكوا به، إلا إن الرئيس طلب منهم إخلاء سبيله والسماح له بتسليم الملف كما أراد. وبالفعل تم تسليم الملف ووعده بوش أن يقوم بالإطلاع على الملف".






08/11/2025 11:34 am 30
.jpg)
.jpg)