
كنوز نت - بقلم: رانية مرجية
ملحمةُ المقهورين
بقلم: رانية مرجية
أنا من بلادٍ تموتُ إذا ما ابتسمتْ،
وتحيا إذا ما انكسرتْ في الحروبِ الطوالْ.
أنا من قبيلةِ وجعْ،
تشدُّ الشرايينَ من جلدِها… ثم تُؤتى بحبلِ السؤالْ.
أنا بنتُ رامَةْ، أنا بنتُ رامْ،
أنا بنتُ رُملةْ، وساحةْ… ودمعةْ، وعامْ.
أرى في المدى كربلاءَ تُصلبُ في القدسِ
والطفلُ في الخليلِ يُباعُ… كما يُشرى التمرُ في بابِ الشامْ.
حكوا لي زمانًا… عن العربِ
عن المجدِ، عن فتنةِ النصرِ في خيمةِ الخالدينْ
لكنني لم أجدْ غيرَ عبدٍ يشيدُ لسيدهِ… قوسَ عزٍّ مهينْ.
عن أيِّ ماضٍ تُحدثني يا غريبْ؟
وقد باتت الكوفةُ مأوى اللصوصْ،
وما بينَ قيسٍ ويمنٍ… يضيعُ اليتيمْ.
رأيتُ العراقَ يُصفّدُ بالحبرِ والغازِ
يُسرقُ من جوفِ ليلهِ
ويُمنحُ كالمرثياتِ لِمن يُبيدُ السطورْ.
في بغداد، يُدفنُ شاعرٌ عندَ مسجدِ مَن خانَ شعرَ العصورْ.
وهذي الشآمُ… تُباعُ على ناصياتِ القوافلِ
وكلُّ الذي كانَ منها… يُعَلّقُ في حائطِ المُخبرينْ.
وفي غزّةَ الآنَ ملحُ الشهادةِ
فوقَ الجراحِ يُصلّي
وفي بيتِ لحمٍ يُذَبّحُ حُلْمُ المسيحِ… ويُكتبُ صلبًا جديدْ.
فيا أيها العابرونَ على حنطةِ الأرضِ
من أيِّ جرحٍ أتيتمْ؟
ومن أيِّ صمتٍ تفيضونَ صمتًا كأنّ السكوتَ عقيدتُكم؟
هنا صوتُ أمٍّ تنادي:
رجعْ لي بنيّي، ولو في النعوشِ،
ولا ترسلوا لي خُطَبْ!
لبنانُ؟… نعمْ
كان فيروزُ تغني لهُ
وصار الآنَ عاصمةً للزجاجِ المكسورْ
يبكي شهيدًا على لحنِ طائفةٍ…
وتعلو على جُثَّةِ النّيلِ راياتُ تَفرقةٍ لا تُغيبْ.
وهاكَ اليمنْ…
على صدرِه الفقرُ نامْ
وفي رئتيه الحصارُ يدورْ،
وأطفالُهُ دونَ حذاءٍ…
يبيعونَ أعمارَهمْ بسُعالِ البنادقْ.
أما السودانْ، فله في السوادِ انتماءْ
وفي النهرِ رائحةُ الموتِ والعنفوانْ.
تراهُ يُجلدُ باسمِ السلامِ،
ويُصلبُ باسمِ العدالةِ… دونَ قضاةٍ،
كأنَّ القضاةَ انتحروا في قواربِ اللاجئينْ!
أنا من أنا؟
أنا ابنةُ مَنْ لم يُسلّمْ
أنا أختُ مَنْ حُمّلَ العارَ إن قال “لا”
أنا تلكَ التي كَسَرَتْ صحنَ العُرْبِ فوقَ رؤوسِ الملوكْ.
أنا من جراحِ الحكاياتِ نَسَجْتُ ثيابي،
ومن شِعرِ جدّي رَفَعْتُ الجدارْ.
أنا بنتُ هذا الخرابِ العريقْ،
لكني أملكُ نارْ،
ولكُم في يديّ انتفاضةْ
وفي شفتيَّ نشيدُ القرارْ.
فيا من تحالفْتُمُ مع سكوتِ المساميرِ
ويا من سجدْتمْ لخُبزِ الذلِّ في قصعةِ القهرِ
لا تسألوني عن الوطنِ المصلوبِ في النشراتِ
ولا تبيعوني صكوكَ الغفرانِ على أبوابِ البراميلِ.
أنا لن أعودَ إلى حظيرةِ الطاعةِ،
ولا أبيعُ روحي لشيخِ قبيلةٍ … يحكمُ بالعطرِ والصوتِ الحلوْ
لكنه لا يُجيدُ الفِعلْ.
أنا من هناكْ
ومن هناكَ سيخرجُ برقٌ يعيدُ التوازنَ للعصرِ،
ويزرعُ فينا رجاءَ المواسمْ.
نحنُ الذين إذا جُرحنا نزفنا تراتيلْ،
وإذا متنا… نُزهِرُ في فمِ القصائدْ
11/06/2025 05:31 pm 30