كنوز نت - بقلم: رانية مرجية


قصيدة في عيد العنصرة

بقلم: رانية مرجية

يا ريحَ الروحِ هبّي من علياءِ النور
وامسحي وجعَ القرونِ عن جبينِ المقهور

عيدُ العنصرةِ أقبلَ والنارُ تلتهبُ
لكنها لا تُفني، بل تُشعلُ القلوبَ وتكتبُ

نزَلَ الروحُ على التلاميذِ بألسنةِ لهبٍ
فصارَ الخائفونَ أنبياءَ، والجبناءُ كَتَبَ

قالوا لكلِّ أمةٍ بلغتها،
أنّ السلامَ ليسَ حُلماً، بل وصيةً وصوتَ نبوءةٍ حيّة

في الرملةِ، في غزةَ، في شفاعمرو الحزينة
تنتظرُ الكنائسُ أن تمسَّها النارُ الإلهيةُ الدفينة

يا ربَّ العنصرةِ، هبنا لغاتِ المحبةِ من جديد
كي نكسرَ صمتَ الموتِ، ونزرعَ الشوكَ ورودَ نشيد

هبنا ألسنةً من نورٍ، لا من نارِ الحروب
وهبنا قلوباً لا تعرفُ الانكسارَ في دربِ الدروب

نحنُ أبناءُ الروحِ، لسنا أبناءَ خنوع
نحملُ صليبَنا لا كرمزِ وجع، بل كصوتِ رجوع

رجوعٍ إلى الإنسانِ، إلى الحقِّ، إلى الكلمةِ الأولى

يومَ قالتْ مريمُ: “ليكن لي كما تريدُ يا ربي، لا كما أقولُ أنا”

فيا كنيسةَ الروحِ، لا تخافي
ففي عيدِكِ يولدُ العالمُ من رمادهِ خرافي

وفي فلسطينَ، كلُّ يومٍ عنصرةٌ
إن سجدنا للحبِّ، لا لسلطانِ القذيفةِ والعنصرة.


العنصرة… حين تتكلّم الروح

نصّ تأملي بقلم: رانية مرجية

في عيد العنصرة، لا نحتفل بذكرى تاريخية فحسب، بل نقف وجهاً لوجه مع سرٍّ لا يُروى، نارٍ لا تحرق بل تنير، ريحٍ لا تدمّر بل تُقيم، كلمةٍ لا تُقال بل تُفهم دون أن تُقال.
العنصرة ليست حدثًا ماضويًّا، بل ولادة مستمرّة لعالمٍ جديد، عالمٍ لا تقوده القوانين البشرية، بل الحضور الإلهي في أضعف القلوب.

في ذلك العليّة في أورشليم، حيث اختبأ التلاميذ خلف الأبواب الموصدة، نزل الروح، لا كنسمةٍ خفيفة، بل كعاصفة تُحرّك الجمود، وتكسّر الأقفال التي نصنعها خوفًا من أنفسنا قبل الآخر.
هناك، لم تعد اللغات تفصل الناس، بل صارت وسيلة لفهم الآخر، للحوار لا للخصام، للوحدة لا للفرقة.
كانت العنصرة لحظة التقاء البشر، لا حول قوميةٍ ولا حدودٍ ولا طوائف، بل حول كلمةٍ واحدة: “الحقّ يحرّركم”.

أفلا نحتاج إلى عنصرةٍ جديدة في هذا الشرق المصلوب؟
ألا نحتاج إلى نزول الروح على هذه الأرض التي أرهقها التجديف باسم الدين، وأتعبتها الحروب التي ترفع راياتٍ مقدّسة وقلوبًا خاوية؟
ألا نحتاج أن نتكلّم لغةً واحدة في هذا الزمن المتصدّع، لغة المحبة لا لغة الدم، لغة التلاقي لا لغة الانقسام؟

العنصرة ليست مناسبة دينية فقط، بل خيار وجودي: أن نختار النار لا كأداة خراب، بل كطريق تنقية، أن نسمح للريح أن تقتلع جذور الخوف المزروع في ذواتنا، وأن نسمح للروح أن يسكننا، لا كضيفٍ عابر، بل كمحرّكٍ أصيل.

في زمنٍ يُحاول فيه العالم أن يُطفئ شعلة الروح، أن يُطفئ نبض القدس وناصرتها ورام اللهها ويافاها وشفاعمروها والرملة، نرفع صلاتنا:
تعال أيها الروح القدس، اجعلنا نتكلّم لغة العدالة، لغة المقاومة بالصلاة، والثبات بالمحبّة، والنبوءة بالرجاء.

العنصرة تبدأ حين نصدّق أن الروح لا زال حاضرًا… في قلب أمّ تبكي ابنها عند حاجزٍ… في قدّاس سرّيّ في كنيسةٍ مهددة… في قُبلة طفلٍ لكتاب الإنجيل قبل أن ينام…
العنصرة تبدأ حين نقول: “ليكن لي بحسب قولك يا رب”، لا مرةً واحدة، بل كلّ يوم.