كنوز نت - نمر سعدي / فلسطين


قصائد تضيئها اللهفة

  • نمر سعدي / فلسطين
(1)
دمعةٌ في القلبِ تخفى
ودمي حافٍ وعارِ
ما لهُ في الأرضِ منفى
يا أبا ذرِّ الغفاري
يا لعينينِ كهمسِ البحرِ في قلبي وحيفا
حينَ شعَّتْ في قميصِ الليلِ أزهارُ البراري
*
(2)
كانَ الحلَّاجُ كنرجسةٍ عمياءَ
على ثلجٍ مشتعلٍ مصلوباً فوقَ صليبِ الريحْ
يتنهَّدُ: للرغبةِ ديكٌ أزرقُ فوقَ رمادِ الليلِ يصيحْ
للحبقِ الكحليِّ سماءٌ
للنارِ الخضراءِ أصابعُ
للأشجارِ كما لنساءِ اللهفةِ عشَّاقٌ
للأرضِ شفاهٌ ومدامعُ
للأمطارِ الأولى روحْ
*
(3)
يا مالكَ بنِ الريبِ كيفَ يضيئني معناكَ عن بعدٍ
بسرِّ الماءِ في وجعي المكابرِ؟
آهِ.. كيفَ يصلُّ في قلبي نثاركَ أو غبارُ صدى السنينْ؟
النجمةُ الخضراءُ في جسدي وفوقَ يدي تحطُّ القبرَّاتُ
رؤىً.. قصائدَ.. ذكرياتٍ في الدماءِ ترفُّ
أخيلةً تهبُّ من الخريفِ وأغنياتِ الحاصدينْ
قبلَ اكتمالِ قصيدتي سرقَ الشتاءُ أنوثةَ الأشجارِ..
أو سرقَ الغبارُ حدائقَ العشَّاقِ
في أشعارِ طاغورٍ وليلَ الحالمينْ
لا شيءَ عندي.. لستُ أملكُ أيَّ زنبقةٍ يبوحُ بها الجدارُ
ولا قصائدَ كيْ أهشَّ بها على قلقي الخجولِ
ولستُ أملكُ سيرةً ذاتيَّةً / شعريَّةً للنشرِ في ويكيبيديا
حطبٌ فمي.. ورقٌ خريفيٌّ شفاهي فوقَ هاويتينِ..
روحي كالفراشةِ في شباكِ النارِ...
هل قلتُ الذي يكفي لأكتبَ صمتَ قلبي أو عذابَ دمي ..
لأكتشفَ المسافةَ بينَ ذاكرتي وصلصالِ الحنينْ؟
صادقتُ أنكيدو وعشبَ الليلِ
عشتُ مع الصعاليكِ الذينَ تناثروا
في الحبِّ والأحلامِ والصحراءِ...
جئتُ من الصدى وخرجتُ من ظلِّ الندى
ومن الزنابقِ واللظى والبردِ
من لغةِ البنفسجِ.. من رخامِ الوردِ
من تمثالِ جولييتَ المصابِ برعشةٍ زرقاءَ
من قمرٍ يربِّي الشهدْ
وكتبتُ سونيتاتِ شكسبيرَ
ذقتُ سفرجلَ الأشواقِ يقطرُ من شفاهِ حبيبةٍ
وسياطَ شمسِ الروحِ
صادقتُ الرمالَ.. رقصتُ مع مطر الهوى المجروحْ
*
(4)
يذكِّرني جمالكِ أزميرالدا
ومن صبَّتْ نقيعَ الصابِ شهدا
ومن مدَّت يديها واستمدَّتْ
من الشوكِ الذي يهتاجُ وردا
يذكِّرني عبيرَ الهالِ منها
وطعمَ القبلةِ الأولى وخدَّا
وهمسَ البحرِ في نيسانَ يُخفي
تباريحَ الهوى.. وصلاً وصدَّا
وسرَّ اللهفةِ البيضاءِ تمشي
على وجهي شذىً وندىً وندَّا
كأنكِ من عذاباتي امتدادٌ

وأنكِ كنتِ لي في الأرضِ وعدا
ستنهمرُ النجومُ على حوافي
شفاهكِ مثلما ألقيتُ نردا
أحبُّكِ والجراحُ تقدُّ قلبي
من الأيَّامِ والأحلامِ قدَّا
وحزنُ الروحِ ليسَ لهُ لسانٌ
سوى ممَّا تعدُّ النارُ عدَّا
سأغفو والرياحُ على سريري
من الجمرِ المباحِ تئنُّ صهدا
سأغفو مثلَ مرثيَّاتِ لوركا
إلى الزيتونِ والقمرِ المفدَّى
إلى ليمونةٍ في القلبِ تُهدي
براعمها إلى عينيَّ سُهدا
حرائقها تربُّ دمي وتُرخي
ضفائرها على وجهي المندَّى
كتبتُ قصائدي بالدمعِ.. روحي
تضيءُ جراحُها حيفا ونجدا
مددتُ شعاعَ زفراتِ الليالي
لآخرِ لوعةِ الأيَّامِ مدَّا
رمالُ في فمي وعلى شفاهي
تغنِّي النارُ في قمرٍ تردَّى
وفوقَ الصدرِ صخرٌ من بطاحٍ
لمكَّةَ والضلوعُ تذوبُ وجدا
وتسألني القصائدُ كيفَ ماءُ ال
حنينِ يكونُ مثلَ الصخرِ صلدا؟
وتسألني زليخةُ عن قميصٍ
من الوردِ النديِّ وكيف قُدَّا؟
وهل أغمضتُ أجفاني وقلبي
على حبقِ الرياحِ الخضرِ فردا؟
*
(5)
وطناً من قصائدَ كوني لأكتبَ
كوني دثاري.. هوائي وناري
شتائي وصيفي.. خريفي وعشبَ النجومِ
صدى الريحِ في شجرِ الليلِ
والصوتَ في حجرِ النهرِ
كوني الكمنجةَ والأقحوانةَ
كوني النجومَ البعيدةَ
والأغنياتِ الشريدةَ
حقلَ الفراشاتِ، ظلَّ الخطى، ذكرياتِ الندى
وطناً من زنابقَ كوني
لأركبَ موجَ الحرائقِ
أو أقتفي أثرَ الغيمِ والطيرِ والنهرِ
والريحِ والمطرِ المتواصلِ
حتى أقاصي الغناءْ
وطناً من ندى الصيفِ أو عطرهِ في الشرايينِ كوني
وشمساً خريفيَّةً في الدماءْ
*
(6)
أعانقُ الأشجارَ النحيلةَ وأتركُ على جذوعها قُبلاتي الطائرة
وأنحتُ تمثالَ امرأةٍ من صخرةِ الثلجِ ثمَّ أمسكُ بيدها وأراقصها
فوقَ جمرِ التباريحِ ومرتقى العناقِ في كوكبٍ من غبارِ التعبْ
*
(7)
في عينيَّ كلامٌ كثيرٌ كثيرْ
عندما أحدِّقُ في عينيكِ ستقرأينَ الإلياذةَ والأوديسةَ والإنياذةَ وملحمةَ جلجامشَ وسفرَ التكوينِ
في عينيَّ بحارٌ من المعلَّقاتِ والقصائدِ المبلَّلةِ بأمطارِ نيسانَ
وسفنٌ خضراءُ يرودها سندبادٌ عاطلٌ عن العملِ
في عينيَّ قارَّاتٌ وغاباتٌ ومسافاتٌ وشموسٌ استوائيَّةٌ
وسونيتاتٌ مطويَّةٌ في أعماقِ البحيراتِ والأنهارِ
في عينيَّ صحارى تمتدُّ بلا انتهاءٍ
على كواكبَ تبعدُ عنَّي ملايينَ السنينِ الضوئيَّةْ
*
(
09/03/2025 06:16 pm   78