كنوز نت - وهيب نديم وهبة
ميلاد
ميلاد هذا العام.. في الركن هناك، شجرة.. جثة هامدة.. بلا أوراق، بلا زينة، بلا أجراس ودون رنين الموسيقى.
شجرة هذا الميلاد، بلا قناديل، بلا تماثيل.. أغصانها مناديلٌ تلوّح بالوداع بالدموع.
يقطر الدم من جراحها، ويعلو أغصانها الخريف.
سيأتي السيد المسيح هذا الميلاد إلى مائدتي.
ليس ها هنا سيدي، فوق طاولتي سوى دموعي شموعي هل يكفيكَ ضوء المكان؟
قليل من الدمع.. وكثير من الحزن.
هل يكفيكَ هذا الخبز للعشاء؟
الشمع يذوب سيدي، رويدًا رويدًا، ويعتم كثيرًا هذا الزمان.
هل تشعر بالعتمة؟
ها أنا أجثو على أعتابكَ سيدي، أخشع أمام ملاك الموت، أسبح في أفق ملكوتكَ.
أنا هنا.. هل أغتال الظلام المكان؟
سيدي.. لكَ أن تجلس وتسهر حتى الصباح.
وحيد أنا.. وأنتَ خانكَ الرفاق.. وصلبكَ الموت على خشبة. وأنا صلبني الموت على مليون خشبة!
أتعرف؟؟
هذا المكان لا يناسب جلال حضوركَ، ولكن منك المعذرة سيدي، المعذرة.
قال: هذه الكأس دمي…
قلتُ: هذه الكأس دمعي…
قال: قليل من الخمر يفرّح قلب الإنسان…
قلتُ: حتى لو كثير من الخمر سيدي.. دون أن يعرف قلبي الأفراح.
قال: هذا جسدي خذوا.. كلوا..
قلتُ: هل تشرب مع خبز العشاء… قطرات أحزاني، أيكفيكَ هذا الدمع لترتوي في العشاء؟ إنك تجرح مشاعري، جسدكَ المصلوب تحوّل طعامًا في هذا الزمان، لوحوش التفرقة.. والمسامير في قدميكَ أصبحت أعمدة من الرخام، أو صخورًا صمّاء.. أو حديدًا لمصانع الطائفية.. لم يحسبوا لك حسابًا..
ضاقت الدنيا هنا.. وهناك والعالم الأوسع بكثير.. لماذا لا نهرب إلى المقبرة.. لي هناك أكثر مما لي هنا.
لماذا لا تحمل معي هذه الشجرة العارية.. ليست ثقيلة. هو الهم الثقيل، وهو الحزن الكبير، وتلبس جمال الربيع.. هل يأتي الموت جميلا؟
ليل..
يتعلق هذا الليل بأغصان الأشجار حتى لا يموت. حمل الشجرة والزجاجة.. وأغلق الباب والنافذة.. وأخذ الليل طريقًا إلى المقبرة ليسهر هناك..
تلك هي ليلة الميلاد، أن نحتفل معًا.. وان نسهر معًا، وأن نشرب نخب الليل حتى يموت.
كأسكَ يا سيدي المسيح!
(النص من كتاب نافذة للموت وأخرى)
الميلاد في القلب – نايف خوري
إن الميلاد عيد الفقر والفقراء.. المدقعين والمعوزين.. التواضع والقناعة.. الاعتدال والبساطة.. ولد المسيح في مغارة وضيعة، تعيش فيها البهائم.. وليس في بيت مشيّد.. لا في مشفى عامر.. ولا في نزل شامخ أو فندق لامع.. بل في مغارة الحقارة والتهميش والانسحاق.. بعدما عجزت أمه عن العثور على ملجأ آمن أو مأوى من البرد والقرّ.. كانت الدنيا كئيبة قبل الميلاد.. جافة رغم دموع المطر والغيوم.. بائسة رغم تفتح الزهر.. معتمة رغم شروق الشمس. أتى الميلاد حاملا الأمل والخلاص والعالم الجديد.. أتى بالفرح والمحبة.. عاش يسوع في محبته المطلقة للعالم..
المحبة
المحبة هي الفضيلة الأبدية التي لا تفقد قيمتها أبدًا، هي أعظم الفضائل، إنها قاعدة حياتية.. تربط الإنسان بأخيه الإنسان، والإنسان مع الله.. يجب أن تحيا في قلب كل عمل وفكر.. ما أعظم جودتك يا رب.. إذ قلت إنك المحبة.. ما أعظم دعوتك يا يسوع كل البشرية إلى المحبة الكاملة، المحبة حتى تجاه الأعداء، بقولك أحبوا أعداءكم ولاعنيكم.. وأمرت: "الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ، الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَال". كيف ستحتوي قلوبنا هذه المحبة التي تجمع الفضائل الأخرى وتُكمّلها، وكيف سنحتمل ان نجعلها فوق كل شيء..
الفرح
إن فرح الميلاد يظهر في فرح السماء وهتاف الملائكة:
"المجد لله في العلاء.. وعلى الأرض السلام.. وفي الناس المسرة". أنا الإنسان البسيط الوضيع تدعوني يا ربّ إلى الفرح، فرح الرعاة حين تلقوا بشارة الميلاد.. اجعلني أهبّ معهم جميعا لنسجد لك يا يسوع.. أما المجوس الذين تحملوا مشاق السفر.. وقطعوا المسافات، واجتازوا البيد والجبال والوديان.. أقبلوا من المشرق يحملون إليك الذهب واللبان والمر.. الطبيعة كلها تمتلئ فرحا بهذا الميلاد العجيب..
الحب
والميلاد هو الحب الحقيقي الدائم غير الزائل.. هو الصفاء والنقاء والطهر والبساطة والفقر والقداسة.. إنه الحقيقة والجوهر والأصالة والبراءة.. إنه معاكس للبهرجة والزخارف والزيف والتزلف.. مناقض للقتل والموت والفناء.. مناهض للشر والخبث والرياء.. فتدعوني إلى الحب والحياة ونبذ الموت..
شرور الأرض
لكن الشر الكامن في النفس قد يظهر حتى في ظل الخير، والحقد المترصّد في القلب قد يظهر في التسلط الأرضي والتسلح والحرب.. امتعض هيرودس واغتاظ، غضب وحقد وكره.. أضمر الشر والقتل والموت.. قتل الأطفال انتقامًا وبغضًا.. فقدَ المحبة والخير.. راح ضحية شروره أطفال بيت لحم من سنتين فما دون.. ظن أنه سيقضي على الخير والفرح والأمل، ويبقى هو الخالد المبجّل.. لكن الله كان له شأن آخر.. هرب يسوع مع أمه مريم ومار يوسف إلى مصر.. إلى أرض الكنانة، والنيل العظيم.. لتتدفق منه ينابيع الخير والسلام والاطمئنان..
في قلبي
الميلاد فرح الحياة الجديدة في قلبي.. وامتداد لروحي ونفسي.. إنه الوجود والبقاء والنماء والخلود.. انتعاش لروحي وابتهاج لحياتي.. طوبى لمن تولد المحبة في قلبه وتدوم في حياته..
11/12/2024 08:13 am 160