كنوز نت - د.إدريس جرادات


حرب إسرائيل الصامتة ضد التراث الفلسطيني المادي واللامادي


     
بعد عقود من الحرب الصامتة والممنهجة لشطب الهوية الفلسطينية وإحلال الهوية اليهودية مكانها بالموازاة مع ما يجري على الأرض من تهويد واستيطان وتغيير للمعالم،انتقلت إسرائيل إلى مرحلة جديدة من سرقة التراث الفلسطيني بإعلانها السافر ضم الحرم الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم وأسوار القدس القديمة إلى ما يسمى قائمة التراث اليهودي.
ورغم أن اليهود - بحسب الروايات التاريخية- يميلون الى العيش في "جيتو" وظلوا على الدوام يتأثرون بحضارات البلدان التي يسكنونها ولا يؤثرون فيها ،فان الاحتلال الإسرائيلي يهدف من وراء الاستيلاء على التراث الفلسطيني إلى طمس الهوية العربية والإسلامية للأرض الفلسطينية وإثبات ما يدعي أنه حق تاريخي لا تسنده في الواقع حقائق علم التاريخ والآثار.
ولعل خير دليل على ذلك ، وصف سيلفان شالوم النائب الأول لرئيس وزراء إسرائيلي موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس من قرار ضم مسجدي الخليل وبلال للمواقع الأثرية الإسرائيلية "بالوقاحة والفضيحة التي تهدف لتشويه التاريخ وقطع الصلة وقطع الصلة بين الشعب الإسرائيلي وأرضه التى يعود تاريخها إلى ما قبل 3700 عام".
وتتعدد مظاهر سرقة إسرائيل للتراث الفلسطيني بدءا من الكوفية والأزياء الشعبية وصناعات الزجاج والرخام ، ومرورا بما تحتضنه الأرض من آثار وتغيير الأسماء التاريخية العربية لمئات المواقع والقرى والبلدان،وانتهاء بالأكلات الشعبية ووجبات الطعام الفلسطينية.
  
  أهداف الحرب الإسرائيلية ضد التراث الفلسطيني المتوارث من جيل لجيل منذ آلاف السنين مستشهدا بعبارة للمستشرق "فيليب حتي" اللبناني الأصل يقول فيها إن "اليهود شعب همجي بلا حضارة، وكلما احتلوا منطقة سرقوا تراث أهلها ونسبوه إليهم"..مشيرا إلى أن عشرات الحفريات الإسرائيلية لم تنته الى الكشف عن وجود أي أثر لليهود في فلسطين.
     
 إن الهوية التراثية للشعب الفلسطيني عبارة عن تجمع "كوكتيل" لمعظم حضارات العالم التى انصهرت في فلسطين منذ آلاف السنين بحكم موقعها الجغرافي وتوسطها بين القارات وكونها مهبط الديانات السماوية،فضلا عن أن سكان فلسطين تجمعوا من كل شعوب العالم.
      أن تراث فلسطين امتداد لتراث بلاد الشام والدول المجاورة، فغزة فى الجنوب مثلا متأثرة بالتراث المصرى خصوصا تراث بدو وعرب سيناء،وجنين وطولكرم ومناطق الشمال متأثرة بسورية ولبنان،أما منطقة الخليل فهي متأثرة بالبادية الأردنية.
دولة الاحتلال تقوم على أساس العقيدة اليهودية وتحاول "تجيير" التاريخ لصالحها وإثبات حقها في أرض فلسطين،وتثبيت فكرة أن لليهود جذورا تاريخية في المنطقة،وإقناع العالم أنهم نتيجة الشتات انخرطوا في حضارات الشعوب المقيمة.
    
  وإسرائيل تتبع أساليب متعددة لسرقة التراث مدعومة بآلة اقتصادية وإعلامية عالمية جهنمية،فهي تستولي بالقوة العسكرية على الأرض من خلال القتل والتهجير والحصار والتشريد والتجويع ومنع التجول أو من خلال الشراء من ذوى النفوس الضعيفة والمطبعة والخارجة عن الصف الوطني حيث استولت على مقامات الصالحين والزوايا وأكثر من نصف الحرم الإبراهيمي وحائط البراق الذي يطلقون عليه حائط المبكى عبر إضفاء الطابع الدينى اليهودي على هذه المواقع.فضلا عن أنها سرقت الأكلات الشعبية والأمثال الشعبية والأغاني التراثية والدبكة والتطريزات والأواني الفخارية والنحاسية والإكسسوارات النسائية الفلسطينية.

   
   الأمر ذهب إلى أبعد من مسألة تزوير الحقائق والتاريخ أمام السياح الأجانب،فقد ارتدت زوجة موشي ديان وزير الدفاع الأسبق في إحدى المناسبات العالمية ثوبا عربيا –ثوب عرب التعامرة، ثوب الشلتة التعمري لنساء بادية بيت لحم والقدس على أنه تراث إسرائيلي،كما ترتدي مضيفات شركة العال الإسرائيلية للطيران الزي التقليدي الفلسطيني على انه من التراث اليهودي.
وتنتشر في المتاحف والمتاجر والمعارض الإسرائيلية صناعات الزجاج والرخام المستوحاة من التاريخ والتراث الفلسطيني والتي تعد من العادات والتقاليد والمهن التي نقلها الفلسطينيون عن أجدادهم الكنعانيين.
   
  ونتيجة لصعوبة الأوضاع الاقتصادية يضطر بعض الفلسطينيين إلى بيع هذه الصناعات لتجار إسرائيليين يسوقونها بدورهم للسياح الأجانب على أنها تراث إسرائيلي.معربا عن أسفه لبيعها أيضا بهذه الصفة فى أريحا شرق الضفة الغربية والتي تعد أحد أبرز المناطق السياحية الفلسطينية .
    والظروف الاقتصادية تدفع بعض الفلسطينيين إلى التنقيب عن الآثار وبيعها بثمن بخس للتجار الإسرائيليين،وسرقت حجرا أثريا ضخما من حجارة القصور الأموية في منطقة الخاتونية ونقلته إلى حديقة أثرية افتتحت بمبنى الكنيست بالاضافة الى أخذ الحجارة القديم –العتيقة واستخدامها في بناء الاسوار أو الحدائق العامة أو في ترميم البيوت في البلدات القديمة الفلسطينية التي تم تهجير سكانها منها .
وتضم الحديقة الأثرية في الكنيست نحو خمسين قطعة أثرية تدعي "سلطة الآثار الإسرائيلية" أنها من موجودات الحفريات التي أجرتها في القدس خاصة تلك التي أجرتها تحت وفي محيط المسجد الأقصى المبارك،وتزعم أنها تعود إلى عهد الهيكل الثاني المزعوم.
    
 السرقة تشمل الأرض والاستيلاء عليها وما في جوف الأرض من مدافن وكنوز وعملات قديمة وكل موجودات الأرض من آثار وعمارة شعبية وأدوات وصناعات وأزياء وتراث مادي ولا مادي ونسبتها إليهم حتى مصادرة إنسانية الإنسان واعتباره حيوانات بشرية والعمل على تفريغها من محتواها الوطني والقومي والإنساني - سرقة الأرض-والبشر والحجر والشجر والماء والهواء والسماء -

د.إدريس جرادات
مديرمركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي
في سعير-الخليل-فلسطين