كنوز نت - بقلم مصطفى معروفي


الكاتب الطليعي

  • بقلم مصطفى معروفي
ـــــــــــــ
بعد النكسة سنة 1967 وجدت الأنظمة العربية نفسها عارية أمام واقع جديد،بحيث إن المواطن العربي لم يعد يثق فيها الثقة التي كان أعطاها لها من قبل،فقام يبحث في جهد جهيد عن أسباب النكسة وعن الذي كان من ورائها انطلاقا من الأسباب العسكرية والاجتماعية ،كما التفت بالبحث أيضا في الأنظمة السياسية العربية و في طبيعتها الأيديولوجية لعله يتوصل إلى ما يتجاوز به النكسة ويبني جبهة نوعية بأسس جديدة وبمنظور آخر يضع في الحسبان إعادة الثقة بنفسه لكي يقوم من جديد ببناء مستقبله وتحقيق مطامحه بأساليب واقعية وناجعة.
ولكي ينطلق في إنجاز كل هذا كان عليه أولا وقبل كل شيء أن يقوم بنقد ذاتي بوضوح فكري وتجديد في الرؤية مع صقل الأدوات التي لديه لهذا الغرض مع تحديد الأولويات،كل ذلك في إطار الصمود الإرادي وركوب التحدي ،وأيضا بالمعاندة الفعالة في المواجهة والصبر على تحمل المشاق في سبيل بلوغ الأهداف المرسومة سواء كانت وطنية أو قومية أو إنسانية.
ولذا رأينا هبّة فكرية واضحة انتظمت الوطن العربي ،وكانت أكثر تجليا في المشرق منه،هبة تدعو إلى ضرورة التسلح بالفكر والأدب العصريين ومعهما كل أشكال الفن وجعل كل ذلك رهن إشارة المعركة ضد الصهيونية والرجعية العربية وضد رموز الامبريالية والبرجوازية سواء كانت محلية أو غير محلية،لأنها حليفة بطبيعتها لقوى الاضطهاد والتخلف.

وهكذا برزت عندنا أقلام ثقافية ،نذرت نفسها للكتابة تنافح عن قيم إنسانية جليلة لا بد منها لحياة الإنسان ليعيش بكرامة ،وترفض في نفس الوقت ديكتاتورية الحاكم وحكمه المطلق نابذة و مسفهة لكل ما يتسبب في امتهان إنسانية المواطن،ولجمه عن أن يثور في وجه الاضطهاد وتغييب الكرامة.

في الفترة التي كان يحدث فيها هذا رأينا أقنعة تسقط ،كما رأينا وجوها ناهضةورافضة للتخاذل في السياسات التقليدية التي أدت إلى الهزيمة ،بحيث إن جيل الهزيمة هلل بكثير من الترحيب للمثقفين من الكتاب الجدد ،وخاصة من الشباب،والذين شكلوا الطليعة التي التي تعبر عن طموحات الأجيال الصاعدة التي تعكس بطبيعة الحال آمال القاعدة الشعبية بكل أطيافها.
حركة المثقفين الطليعيين هذه بعد النكسة تسببت في تفجير تناقضات المجتمع العربي، وتمظهر مفعولها أكثر في انهيار الأسس الأيديولوجية وحتى العكسرية إذا شئنا القول،فالمثقفون الطليعيون الثوريون وهو يخوضون غمار الكتابة كانوا يعون بما لا مراء فيه ثقل وحجم المسؤولية المناطة بهم سواء على المستوى الأخلاقي أو على المستوى الوطني أو على المستوى القومي،وخاصة في تحريك الجماهير وإدراك الآفاق الرحبة للنضال التي تتيحها الثقافة للكاتب بوصفه ناطقا باسم الجماهير وقائدها من أجل التحرر من نير الاضطهاد والاستغلال والتخلص من الفاقة والعوز والدفع بها إلى إحراز ما يؤدي إلى نيل الكرامة وتسنم أسباب السعادة.

إن ما كان يسعى إليه الكاتب الطليعي،وما كان يشكل لديه المبتدأ والخبر في كتابته النضالية هو جعله من هذه الأخيرة أداة فعالة لبناء شخصية لا ترسف في أغلال مجتمع تقليدي ،شخصية متشربة بقيم العصر وعازمة على السير في طريق التقدم .
وبالفعل ففي وقت وجيز بعد النكسة حقق الكاتب العربي الطليعي رصيدا ثقافيا أثراه بمضامين فكرية وأدبية خصبة عالية القيمة،رصيدا ثقافيا تجلى فيه الابتكار في الطرح أسلوبا ومواضيع كانت بحق في ثوريتها عميقة الدلالة.
وبذلك يكون الكاتب الطليعي مناضلا أساسيا في مسيرة الكفاح العربي وإلى اليوم ،ويكون قد ساهم بما لا غبار عليه في الرفع من درجة الوعي في المجتمع العربي.