كنوز نت - بقلم : د. منعم حدّاد


"مبدعون" همج رعاع؟

  • د. منعم حدّاد

يقول الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه إنّ "الناس ثلاثة: عالم ومتعلم وهمج رعاع، يستجيبون لكل ناعق، ويميلون مع كلّ ريح!"
والهمج الرعاع كما يفهم القارئ من قوله كرّم الله وجهه هو الذي يستجيب لكلّ نداء أو دعاء يوجّه إليه أو إلى سواه، دون أن يقدح زناد فكره، بل دون أن يكلّف نفسه عناء أبسط تفكير، بل يسير بعقلية القطيع، وبالأحرى بعقلية القبيلة القديمة الجاهلية الجاهلة، التي تقول:

وما أنا إلا من غزيّة إن غوت
غويت وإن ترشد غزيّة أرشد!

أو بمعنى عصري حديث،عندما يسمع "دبّة الصوت" القائلة:"عليهم!" "يستلّ" نبّوته (أو حتى سلاحه الناريّ) ويهجم كانقضاض الذئب الجائع على فريسة دسمة حتى دون أن يسأل من هم هؤلاء الذين يهجم عليهم ولا لماذا يهجم ولا كيف يهجم...
  • المهم "عليهم" وكفى!
والأسوأ من ذلك هو الهمج الرعاع الذي يميل مع كلّ ريح، يميل مع الريح الشرقية، فإذا انقطعت إفادتها تحوّل إلى الريح الغربية، فإذا نفذ ما تأتي به من "بركات وخيرات ومنافع" انتقل إلى الريح الجنوبية، فإذا لم يعثر على ضالّته المنشودة فيها انتقل إلى الريح الشمالية، وهكذا دواليك!
أترانا نبالغ؟ ربّما!
                              
لكن هيّا بنا نعود ونستذكر أولئك الأدباء والشعراء الذين طالما تغنّوا بأمجاد معينة ومعروفة اشتهرت
                             
وربما سيطرت سابقاً، ابتداء من أوروبا وحتى آخر صرعة شرق أسيوية، فما كادت شمسهم شمس الشعوب
                              
الشعوب تتوقف عن تدفئة الجيوب وحشوها حتى تحوّل الهوى إلى ذوي الأخضر الفتّان، الذي طالما لعنوه حتى ال نوه حتى
الأمس حتى الأمس القريب، فالرحلات النهرية والمنتجعات في "الدول الصديقة" أصبحت في خبر كان...
      
وما لنا وما للدول العظمى وحلفائها؟ فلنتحدّث "على قدّنا" ولا نتطاول على "القطوف الحامضة"!
       
كان ذلك ليس من زمن بعيد، كان بعض "مبدعينا" يتسابقون في نظم الشعر احتفالاً بعيد استقلال إسرائيل، وبتمجيد
ومدح الحاكم العسكرّي، وبالتغنّي بأفضال الهستدروت، والتسابق إلى التقرّب من "ذوي الشأن" أمثال هؤلاء...
وفجأة وبقدرة قادر انفرجت الأسارير عن لقاء الإخوة في المناطق المدارة/المحررة/المحتلة (اختر المناسب!)،
وراح هؤلاء يتنسّمون هوى فلسطين، وتغيّرت الريح والصرعة، وبدأ عهد جديد من الوطنية والقومية وما إلى ذلك من انتماءات عزيزة جديدة...
وتلا ذلك هرولة إلى الدعومات على ِكامل أنواعها، والرحلات عبر أوروبا إلى ما وراء البحر، ولقاء "الأحبّة"، والتمتّع ب"أخضرهم"، وأصبح من لا يقصد ذلك المعين الذي لا ينضب ليس ب"مبدع"!

وراح مبدعو الحكم العسكري والهستدروت سابقاً يتغنون بأمجاد الوطنية والقومية، ويبدعون في ذلك أيّما إبداع!
وشغلت فلسطين مكان الحكم العسكري، والقضية الفلسطينية مكان الانضواء تحت راية الهستدروت...
ثم، وبقدرة قادر عاد مبدعون إلى "أصولهم"، فهو إسرائيليون قبل أن يكونوا فلسطينيين، أو فلسطييين هناك، إسرائيليون هنا، عالميون في أوروبا، زنوج في إفريقيا، شقر في اسكندينافيا، صفر في الشرق الأقصى...وهلمّجرّا

بالاختصار: يتبعون كل ريح، ويميلون وراء كل ناعق (بمصلحة فورية وآنية)، ويتنكرون لكل من يأفل نجمه، أو حتى فور أن يميل نحو الغروب...
فهل يا ترى يمكن تسمية مثل هؤلاء بالهمج الرعاع؟


  • إنّه مجرد سؤال استفهامي، وليس اتّهاماً لأحد...