أيمن كامل اغبارية والتوهج بالقصيدة


بقلم: شاكر فريد حسن


ايمن كامل اغبارية من الأصوات الشعرية الجميلة المهمة التي ظهرت على الساحة الادبية في التسعينيات من القرن الماضي، محدثة اتساعًا في خريطة الابداع الفلسطيني .وينتمي لجيل سامر خير وصالح حبيب وبشير شلش وعبد المحسن نعامنة وغيرهم.
وقد شد ولفت الأنظار بقصائده التي كان ينشرها في صحيفة " الاتحاد " ودورية " مشارف " الحيفاويتين.

أيمن كامل رزق اغبارية هو شاعر وكاتب مسرحي وباحث في السياسات التربوية الاسرائيلية، وناشط في مؤسسات المجتمع الفلسطيني. ولد في مدينة أم الفحم العام ١٩٦٨، ونشأ في بيت يعشق الكلمة والادب وشغوف بالمطالعة، حاصل على اللقب الثالث من احدى جامعات الولايات المتحدة، ويشغل محاضرًا في جامعة حيفا.

اقتحم دنيا الشعر وامتطى صهوة الابداع وهو على مقاعد الدراسة الأكاديمية، ونشر قصائده في الملاحق الثقافية الأسبوعية، ثم جمعها في ديوان شعري أسماه " تناثرت وأحب أن لا يجمعني أحد ".

شارك في الكثير من الندوات والأمسيات الشعرية، وترجمت بعض قصائده الى اللغات العبرية والانجليزية والألمانية.
وله مسرحيتان هما " الباص، وبياض العينين ".

والحقيقة أن الاكاديميا أخذت وسرقت أيمن من عالم القصيدة، وتركزت اهتماماته وانشغالاته في الدراسات الاكاديمية التربوية والابحاث العلمية بمجال اختصاصه.

لكنه فاجأنا العام ٢٠١٥ باصدار ديوان آخر، أي بقارق ١٥ سنة على صدور ديوانه الأول، واختار له عنوان " ملاقط غسيل ". لقي اهتمامًا وأصداء طيبة بين جمهور القراء والاكاديميين والمثقفين والمبدعين الفلسطينيين.

يكتب أيمن القصيدة النثرية، وهو باسلوبه ولغته ومفرداته ورموزه أقرب الى شعراء لبنان أصحاب هذه القصيدة ، امثال أنسي الحاج ويوسف الخال وشوقي أبي شقرا وعلي أحمد سعيد ( أدونيس ) وغيرهم.

انه منحاز لوظيفة الشعر المعرفية، وينطوي خطابه الشعري ومشروعه الابداعي على قوة السبك والرمز والتناص ومتانة البيئة اللغوية والفنية للقصيدة، وعمق العلاقة التي تجمعه بمنابع الثقافة العربية والعالمية.

وهو مختلف في كتابته الشعرية عن غيره من شعراء بلادنا، إذ أنه يكتب بلغة سردية تعكس مستوى ثقافته ومعرفته وتجربته.
يعالج أيمن في قصائده قضايا متنوعة عايشها وعاشها ومر بها، ويتجلى أكثز شيء في انثيالات تعابيره وتأملاته الوجدانية في قصائده الرومانسية والرومانتيكية.

ومن قصائد أيمن اغبارية هذه القصيدة الجميلة بايحاءاتها وأبعادها المتعددة، بعنوان " طروادة " حيث يقول:

طروادة
في جوف حصان طروادة
استنكف محارب صرعته العتمة
هانذا أكتب اسمه بمعجون الأسنان
على مرآة الحمام.
هانذي أحصي مخاوفي بدلًا عنه
لأخفف عن سيف وحدتنا
.........
منذ حاصرت طروادة حصانها

لم يتغير في العالم الكثير.
ولم يحدث شيء مما انتظرناه.
خيل كثيرة
حلمت بدخول طروادة.
ومنها كتابي الأول
ديوان مليء بالفرسان والخسارات.
لم يلتفت إليه النقاد
ولم يعبأ به حراس الأسوار.
..........
منذ أن هدمت طروادة
لم تنجح القصائد بتغيير العالم
ولم يعد الشعراء يبتعدون عن انفسهم.
كتب كثيرة
حاولت استعادة الأحلام الضائعة.
ومنها كتابي الاول
ديوان مليء بالمرايا والفشل
ظل خارج تاريخ النهار والخيل.
لكنه منذها
احتل أكثر من وسادة
واستطاع أن يشبه وجه الليل

يمتاز نص أيمن اغبارية باشارات عميقة ودلالات حسية، واهم ملامحها الوحدة العضوية، والبيان الشعري الذي تنم به الجمل والصور والمجازات والمفردات اليومية التي يدرجها في متن قصائده، بانفتاح الشعري على اليومي والهامشي والعابر، وفي الاعتراف الحميم والالم الشخصي.

والكثير من نصوص أيمن اغبارية ترقى الى أعلى مراتب الشعرية، رغم نثريتها، ترقى بصوتها، وحسها الانساني، وتوهجها، وانسيابها الشعوري الذي يولد من داخل الكلمات لا من ضجيجها.

ورغم أن قصائد ديوان " ملاقط غسيل " تشكل استمرارية رحلة أيمن اغبارية الابداعية المتطورة والمتجددة، إلا انها تدل على نقلة نوعية في دربه الشعري، فهي قصائد متطورة من الناحية البنائية الشكلية والايقاعية، والمضمون، ودلالات المفردات ووظائفها، وفي الصور الشعرية المبتكرة الجديدة.
ومن خلال قصائده يجعلنا أيمن اغبارية نستشف القضية الانسانية بكافة جوانبها، حيث يتجسد الهم والالم الانساني والقلق الوجودي.

وتظل الحقيقة أن ديوانه " ملاقط غسيل " يشكل خطوة رائدة وابداعية متطورة في مسيرته الشعرية المتشعبة، ويكشف أن أيمن اغبارية لم يقل كلمته الأخيرة بعد..!!