الصين .. المنافس الأقوى لتمدد الغرب الاقتصادي .



بقلم .. الدكتور حسن مرهج




في خضم التجاذبات السياسية التي تعصف بالمنظومة العالمية ، تبدو التوترات الاقتصادية و السباق المحموم لفرض السيطرة الاقتصادية على الموارد العالمية في أوجها ، و لا شك بأن الصين بدأت باتخاذ إجراءات اقتصادية من شأنها أن ترتقي بالصين إلى الدول التي لا تُكسر اقتصاديا ، و هذا بطبيعة الحال مبعث قلق لسياسات الغرب الاقتصادية ، فبعد وصول " شي جين بينغ " إلى الرئاسة الصينية في الرابع عشر من آذار / مارس 2013 ، وضع استراتيجية تعرف الآن باسم مبادرة الحزام والطريق ، وهي منظومة شاملة تتخذ من مشاريع البنية التحتية الجديدة هدفا للسنوات القادمة ، و لن تكون هذه المنظومة حِكرا على الصين بل سيكون لأسيا الوسطى وصولاً لأوراسيا والشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي نصيبا الأسد منها، وأعلن " جين بينغ " عن هذه المبادرة عام 2013 خلال اجتماع في كازاخستان، ثم في عام 2015 وقّع " بينغ " على استراتيجية صناعية عالمية وطنية تسمى "الصين 2050".

بالعودة إلى السنوات السابقة و تحديدا عام 2008 ، نلاحظ التصميم و الإرادة التي امتازت بها الشركات الصينية للوصول إلى الهدف الاستراتيجي المتمثل بغزو العالم إقتصاديا ، و المتابع لتطورات الاقتصاد الصين يلحظ و بكل وضوح الخطوات الجريئة التي اعتمدتها الحكومة الصينية لوضع الخطط الاقتصادية موضع التنفيذ ، فمنذ عام 1979ومع التحولات السياسية التي شهدتها الصين ، انتقلت شيئاً فشيئاً لتصبح من أحد أهم المصنعين في العالم، لدرجة أنها أصبحت تصنّع العديد من المنتجات للشركات الغربية، مثل سيارات فولكس فاجن أو سيارات جنرال موتورز، ايفون، وغيرها الكثر من الصناعات التي تنافس صناعة الغرب ، و الواضح أن الصين تحاول أن تفعل ما فعلته اليابان بعد عام 1952 ، عبر احياء المنتج الصيني ، فالهدف هو أن تقوم الصين بتصنيع المنتوجات الغربية عوضاً عن تجميع المكونات للعمالقة الأجانب مثل شركة أبل وغيرها، وقد بدؤوا بالفعل في عملية تطوير صناعتهم، وكما هو مبين في استراتيجية "الصين 2025"، فإن الحكومة الصينية والمؤسسات الوطنية عليها دعم سياسة الانتقال من "صنع في الصين" إلى "خلق في الصين" . 

ضمن هذه الاستراتيجية المعتمدة صينياً ، وضعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استراتيجية "الصين 2025" نصب أعينها ، وحددت أهدافها تجاهها وبدأت بشنّ حرب تجارية ضد بكين في سبيل إفشالها، كما أن الدول الغربية، وخاصة ألمانيا أحسّت بهذا الخطر أيضاً، فأخذت تنسق مع واشنطن في سبيل وضع استراتيجية مشتركة من أجل وضع العراقيل أمام بكين ومنعها من تحقيق النجاح، فالغرب وبعد 10 سنوات استفاق متأخراً، وعوضاً عن التعاون مع الصين، أخذ يشنّ حرباً تجارية عليها رافضاً التنسيق مع خطط التنمية الرئيسية في الصين التي من ضمنها طرِيق الحرِير الجَدِيد المعروف باسم " "الحِزام والطرِيق".

أما بالنسبة لأمريكا فقد وضعت استراتيجية خاصة تستهدف من خلالها قضيتين رئيسيتين، وهي استهداف التنسيق بين الصين وروسيا وإيران الذي نشأ نتيجة عدم كفاية السياسات الجيوسياسية لأمريكا على مدى العقدين الماضيين، والأهم من ذلك، استهداف "إحياء" الإنتاج الصناعي في الصين، فالمشكلة هي أن بكين وضعت استراتيجية حتى عام 2025 تهدف من خلالها رسم مستقبل الحياة في الصين، حيث إنها لا تنظر إليها كخيار بل كمخطط استراتيجي سيغيّر مستقبل الصين إلى الأفضل.