عندما ينتصر الاسد 


بقلم د.حسن مرهج 


مع توالي سنوات الحرب المفروضة على سوريا ، شهدت الحرب السورية تغيّرات و منعطفات عديدة ، كان لكل واحدة منها سماتها وأدواتها وخطاباتها وتداعياتها الخاصّة ، و لكن في مقابل تلك التغيرات و المنعطفات ، بقي الرئيس السوري بشار الأسد الرقم الصعب على مدار سنوات الحرب ، فبالإضافة إلى تميزه بالصمود و القيادة الحكيمة في إدارة مجريات الحرب في سوريا ، كان الاسد يتمتع بصبر اسطوري لجهة التعامل مع الأزمات و توجيهها بما يخدم الصالح السوري ، و بلا شك كان لدعم حلفاء سوريا في السياسة و الميدان الأثر الكبير في الصمود و الخروج من الأهداف الرئيسية للحرب منتصرين .

و انطلاقاً من مفاهيم الرئيس الأسد في كيفية التعامل مع الازمات و مواجهة العديد من الدول و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية و اسرائيل ، نصل لنتيجة واحدة أن الأسد حاكم للعالم ، و هذه حقيقة راسخة في الوقائع و المعطيات و على امتداد سبع سنوات من الإرهاب المنظم في سوريا ، فالرئيس الأسد كان متحكما بالتوازنات الدولية ، و تراتبية النظام الدولي ، و ما يضع الرئيس الأسد في هذه المكانة ليس مكانة سوريا الاستراتيجية و توضعها على الخارطة الدولية فحسب ، بل القيم الثابتة التي يملكها الأسد و التي ترجمت واقعا أخلاقيا و سياسيا لجهة التعامل مع حلفاؤه ، خاصة أن الدول التي كانت شريكة في العدوان على سوريا و رغم الادعاء بامتلاكها الاخلاق لكنها اثبتت و بالمطلق بأنها دول فاسدة ، و الاسد بطبيعة الحال لم ينخرط في صراعات هذه الدول ، بل قام بمواجهتها و معالجة ارتدادات فسادها الاخلاقي ، انطلاقا من ذهنيته و سلوكه اللذان يدفعانه إلى المواجهة ابتغاءً للإصلاح ، و هو الذي لم يعتد الاستسلام بل المواجهة .


حلفاء بشار الأسد من القيصر بوتين إلى علي خامنئي وصولا إلى حسن نصر الله ، كذلك هم يحملون القيم و يتميزون بالدفاع عن الحق مثل فرسان الروايات في عالم مليء بالفساد ، و لكن ما يميز الرئيس الاسد عن حلفاؤه ، استمراره في المواجهة إلى النهاية و هذا ما جعل عدوه قبل الصديق أن يكن له الاحترام ، و ليس من المبالغة القول بأن حلفاء الأسد كان لهم شرف التعامل معه لنواحي عدة ، فكما قلنا فرض احترامه على العدو قبل الصديق بدليل أن الأسد نسف كل الترتيبات والتسويات التي أجرتها روسيا، خصوصاً عبر خطتها المسماة مناطق خفض التصعيد والتي طالما روجت روسيا أنها ستكون مقدمة للحل السياسي في سورية وأن الحل أصلاً سيكون على شاكلتها ، في حين أن الأسد لا يرى فيها سوى مواصلة الحصار حتى استسلام الإرهابيين و رضوخهم ، و إما القتل .

و اليوم كان لقاء الرئيس الأسد بالرئيس بوتين في سوتشي الروسية ، هو لقاء لن يكون كما قبله لجهة التطورات الميدانية و ما يرافقها من مكاسب سياسية ، فسوريا بقيادة الأسد انتصرت ، و يبقى الجيش السوري محاربا للإرهاب الدولي ، و الأبرز كان ودية اللقاء التي تحمل في معانيها رسائل كثيرة لأعداء سوريا و روسيا على السواء ، فما يقرره الرجلان يكون ملزما لكل الأطراف الدولية ، فالمصالح الاستراتيجية التي تربط البلدين لا تقف عند حدود تهديد امريكي هنا أو هناك ، و " الاسد بوتين "ثنائية من الصعب اختراقها سياسيا او دبلوماسيا ، ما صنعه الرجلان بتحالفهما اجبر العالم على الرضوخ و الانصياع لقوة هذا المحور الذي يبدأ من دمشق و ينتهي في موسكو .

هكذا انتصر الأسد و بحكمته و حنكته السياسية على أكثر من مئة دولة بعثت مرتزقتها لإسقاطه ، فأسقطهم تباعا بصموده و حنكته السياسية و التفاف شعبه و جيشه حول قيادته ، فبقي رئيسا قويا يستمد قوته من شعبه و جيشه لتبقى سوريا محور العالم .